عندما تخلت الدولة في لبنان عن دورها الحيادي التقليدي الذي يجب أن ينحصر في الدفاع عن الأمن والقضاء وذهبت باتجاه التدخل في الاجتماع والاقتصاد والبيئة كان هذا الأمر بمثابة إعلان ورغبة بأن تصبح الدولة متدخلة في رعاية المجموعات والأحزاب وليس ناظمة للمجتمع. وفعلاً أخفقت الدولة في هذا الدور التدخلي إلا باعتبارها دولة عناية أو رعاية أو دولة ناظمة، لا دولة منفذة للمشاريع التي تتطلبها تلبية الاحتياجات الناجمة عن هذا التدخل في الحياة الاقتصادية والاجتماعية وحماية البيئة وقد كان لهذا الإخفاق أسباباً كثيرة أهمها :
النقص في التمويل والنقص في التكنولوجيا والنقص في الخبرات والنقص في المهارات الإدارية الفاعلة والنقص في المرونة والنقص في المقدرات والكفاءات وسوء رسم الخطط وعدم وضوح الأهداف. وقد باتت بالتالي الحاجة ملحة إلى تحمل المخاطر، إذ يفرض التلازم بين المخاطر والمسؤوليات تقاسم المخاطر بالاستناد إلى توزيع المهمات والمسؤوليات. فكيف لدولة أن تصلح ما أفسدته الدولة نفسها بصفتها راعية لهذا الفشل ومتحملةً لهذه المخاطر .
لقد تجلى هذا الأمر بشكل واضح في قضية تلفزيون لبنان الذي وإن كان لا يزال يشكل وجدان وذاكرة الوطن فهو في نفس الوقت ضحية الدولة التي أدارت هذا الوطن.عندما تم الإعلان عن تشكيل الحكومة وتعيين الوزير بول مرقص وزيراً للإعلام سألته إحدى الصحافيات عن أكثر الأمور إلحاحاً بالنسبة لعمله القادم في وزارة الإعلام فأجاب أن عينه وقلبه يتطلعان الى تحديث تلفزيون لبنان والذهاب في تطويره وصولاً حتى للتفكير بتغيير اسمه أيضاً .
أراد الوزير مرقص تحقيق جزء من طروحاته للنهوض بوزارة الإعلام فإقترح تعيين مجلس إدارة وفقاً لخياراته الشخصية وتقدم بإقتراح لمجلس الوزراء وراح يتقبل التهاني على إنجازه. ولكن في الحقيقة لم يغير الوزير مرقص في الواقع القائم شيء والذي سرعان ما تبين له أن تعيين مجالس الإدارة في المؤسسات العامة والخاصة الواقعة تحت وصاية الوزارات ومجلس الوزراء له آلية محددة وتتطلب مراعاة التوزيع الطائفي والزبائني وأكيد المحسوبيات .
هنا تبين أن الوزير بول مرقص بصفته وزيراً للإعلام ووصياً على تلفزيون لبنان ورغبةً منه في تسريع الإنجاز وقع في التسرع الذي أطاح برغبته وحماسته .
لو فعلاً أراد الوزير بول مرقص الحصول على إنجاز في تلفزيون لبنان ومن خلفه في وزارة الإعلام لكان تقدم بمشروع لمجلس الوزراء يقتضي بضرورة تطبيق قانون الشراكة بين القطاع العام والقطاع الخاص ولدفع بإتجاه تعديل نظام عمل المؤسسات العامة التي تقع تحت سلطة ووصاية وزارة الإعلام وأولها تلفزون لبنان .
الكل يعرف أن قانون الشراكة بين االقطاع العام والخاص ما زال ممنوعاً من التطبيق في لبنان خاصةً وأن المراسيم التطبيقية للقانون لم تصدر بعد وبعض الشروط المفروض توافرها ما زالت غير مؤمنة أهمها وجود المجلس الأعلى للخصخصة والإشراف الذي بات بحاجة لإعادة إنشاءه وتعيين رئيساً له بعد إستقالة رئيسه السابق زياد حايك .
قد تؤدي الشراكات بين القطاعين العام والخاص، إلى تمكين الحكومات من شراء وتقديم خدمات البنى التحتية والخدمات العامة، والاستفادة من موارد وخبرات القطاع الخاص، من خلال ترتيبات تقاسم المخاطر. وإذا ما صُـمّمت الشراكات بين القطاعين، ونُـفذت على نحو سليم، فبمقدورها أن تحقق قيمة اجتماعية، من خلال تقديم الخدمات في الموعد المناسب، وبتكلفة معقولة، فضلاً عن المكاسب المحققة من تحسين الكفاءة والابتكار في تصميم المشاريع، وإدماج الخبرات العالمية، والوصول إلى مصادر جديدة لرأس المال. وعلى الجانب الآخر، نجد أن ضعف تصميم وتنفيذ الشراكات بين القطاعين العام والخاص يؤدي إلى عدم تحقيق النتائج المرجوة .
فإذا أراد الوزير مرقص تحقيق الإنجاز الأكبر عبر وزارة الإعلام عليه بفرض مبادرة تطبيق الشراكات بين القطاعين العام والخاص عبر تخليص الدولة من عبىء المؤسسات العامة وتحقيق الفائدة الكبيرة من دخول القطاع الخاص الراغب دوماً في تحقيق الربح والنجاح .