أطلقت الولايات المتحدة، في عهد الرئيس دونالد ترامب الثاني، حرب تعريفات جمركية شاملة تُمثل تحولاً حاداً نحو الحمائية.
لم تكن هذه الحرب سوى رحلة تقلبات مفاجئة دبرها الرئيس ترامب بنفسه، وتسببت في انهيار السوق العالمية وهبوطها ثم انتعاشها على نطاق وتأثير غير مسبوقين.
بدأت حرب التعريفات بفرض ترامب تعريفات جمركية جديدة على الواردات في 2 نيسان أبريل 2025، من جميع الدول، دون تمييز بين الأصدقاء والأعداء. وافقت بعض الدول، مثل الهند وفيتنام وإسرائيل وتايوان وكمبوديا، على إلغاء التعريفات الجمركية بشكل كامل؛ بينما تراجعت دول أخرى وقررت وقف صادراتها إلى الولايات المتحدة، مثل إنجلترا ومصنعي السيارات الألمان؛ وقررت دول أخرى التفاوض، بينما تلعب الصين والولايات المتحدة لعبة "بينج بونج" مع وصول معدلات التعريفات الجمركية إلى 125%، وتهدد كندا برفع تكلفة الكهرباء في ثلاث ولايات أميركية بنسبة 25%.
من ناحية أخرى، يتخذ الاتحاد الأوروبي موقفًا حازمًا ويهدد بفرض رسوم على الشركات الرقمية الأميركية، في الوقت الذي تعاني فيه قارته اقتصاديًا واجتماعيًا، ولا تزال الحرب بالوكالة مع روسيا (عبر أوكرانيا) مستمرة.
من المتوقع أن يكون لفرض رسوم جمركية بنسبة 125% على الواردات الصينية تداعيات اقتصادية كبيرة على كل من الصين والولايات المتحدة. ومن المرجح أن يواجه المصدرون الصينيون، وخاصةً صغار مصنعي السلع الاستهلاكية الذين يعتمدون بشكل كبير على السوق الأميركية، تحديات كبيرة. وقد لا يتمكنون من تحمل التكاليف الإضافية التي قد تدفعهم للبحث عن أسواق بديلة أو الإفلاس.
وتتعهد الولايات المتحدة والصين بالكفاح حتى النهاية. والسؤال الرئيسي هو: إلى أي نهاية؟ هل سيخوض أكبر اقتصادين في العالم هذه المعركة حتى النهاية، أم سيقودان العالم إلى نهايته؟
في حين أن الاقتصاد الأميركي مكتفٍ ذاتيًا نسبيًا، حيث لا تُمثل صادرات وواردات السلع والخدمات سوى 12% من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنةً بنسبة أعلى في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة ودول أخرى، فإن الرسوم الجمركية قد تُسبب التضخم، وقد يكون لها تأثير مباشر على المستهلكين، وتُسبب اضطرابات كبيرة في سلسلة التوريد وفوضى في الأسعار. كما يُمكن أن يُسبب هذا انخفاضًا في الطلب وتباطؤًا في النمو الاقتصادي العالمي.
مع تفاقم هذه الحرب التجارية، فإنها تُمثل بداية إعادة تشكيل كبرى للعلاقات الاقتصادية الدولية والمشهد العالمي بأكمله. ولم يتضح بعد المدى الكامل لتأثيرها، إذ تدخل الولايات المتحدة وشركاؤها التجاريون في مناطق اقتصادية مجهولة، في حين يتصاعد التوتر السياسي، وتُدق أجراس الحرب في جميع المجالات السياسية وفي كل ركن من أركان العالم.