ارتفع زوج الدولار /الين الياباني بشكل ملحوظ أمس، ليلامس مستوى 143.00 بعد مكاسب تجاوزت 1.2% خلال بداية تعاملات اليوم الخميس، في حركة تعكس انتعاشًا مؤقتًا للدولار الأمريكي في ظل تقلبات الأسواق العالمية وتغير المزاج الاستثماري. وبرأيي هذا الصعود جاء مدفوعًا بتحسن شهية المخاطرة لدى المستثمرين، وسط مؤشرات متزايدة على احتمال تراجع التوترات التجارية بين الولايات المتحدة والصين، وهو ما دعم تحركات الدولار مقابل الين، باعتباره من أزواج العملات الأكثر حساسية لمعنويات السوق وللتطورات الجيوسياسية والاقتصادية في آسيا وأمريكا على حد سواء.
ومن وجهة نظري، الأسواق المالية التقطت أنفاسها بعد تصريحات وزير الخزانة الأمريكي سكوت بيسنت التي لمح فيها إلى أن معدلات الرسوم الجمركية الحالية قد لا تكون مستدامة، مما فُهم على أنه تلميح إلى احتمال تخفيف القيود التجارية مع الصين. كما عززت الأنباء عن بقاء جيروم باول في منصبه كرئيس للاحتياطي الفيدرالي من استقرار توقعات السياسة النقدية، خاصة أن الأسواق كانت تتخوف من تغييرات مفاجئة قد تعمق حالة الغموض النقدي في وقت يعاني فيه الاقتصاد الأمريكي من تباطؤ ملحوظ.
ورغم هذا الصعود، فإن الصورة الأساسية للدولار الأمريكي لا تزال مشوشة ومليئة بالتناقضات. فقد أظهرت بيانات مؤشر مديري المشتريات الصادرة عن ستاندرد آند بورز لشهر أبريل تباطؤًا في زخم النشاط الاقتصادي، حيث تراجع مؤشر الخدمات من 54.4 إلى 51.4، في حين لم يتمكن قطاع التصنيع من تسجيل تحسن جوهري، مكتفيًا بارتفاع طفيف إلى 50.7. وهذا التباطؤ، يضع ضغوطًا إضافية على البنك المركزي الأمريكي بشأن سعيه للموازنة بين ارتفاع التضخم وتباطؤ النشاط الاقتصادي، وهو توازن دقيق يصعب الحفاظ عليه دون أخطاء مكلفة.
ومن وجهة نظري، فإن عودة الدولار/الين فوق 143.00 لا تعكس بالضرورة تحولًا جوهريًا في الاتجاه العام، بل تبدو أشبه بحركة تصحيحية قصيرة الأجل مدفوعة بزخم معنوي أكثر منه زخم اقتصادي فعلي. فالأسواق، رغم ترحيبها الأولي بتصريحات الإدارة الأمريكية، بدأت تتراجع سريعًا عن تفاؤلها، وهو ما انعكس في فقدان مؤشر الدولار الأمريكي قوته عند مستوى 99.50، وعدم قدرة أسواق الأسهم على الحفاظ على مكاسبها المبكرة خلال نفس الفترة.
كما تبقى المؤشرات على الزوج تميل إلى الهبوط، رغم الزخم خلال اليوم، وهو ما يعكس التباين بين الحركة السعرية اللحظية والاتجاه العام. فالمتوسطات المتحركة لا تزال تشير إلى ضغوط هبوطية محتملة، ومؤشرات الزخم مثلRSI وMACD لم تعطِ إشارات واضحة على تغيير في الاتجاه العام. ومن هذا المنطلق، فإن تجاوز مستوى 143.00 قد يواجه مقاومة فنية ونفسية في حال لم تدعمه بيانات اقتصادية إيجابية أو اختراقات سياسية حقيقية.
ومن الناحية الأساسية، فإن الاقتصاد الياباني لا يزال يعاني من تباطؤ نسبي في الطلب المحلي، لكنه يستفيد جزئيًا من تراجع تكاليف الطاقة، مما يخفف الضغط على الميزان التجاري. ومع ذلك، فإن سياسة بنك اليابان التيسيرية تبقى هي العامل الأهم في تحديد مسار الين، حيث من غير المتوقع أن يتجه البنك المركزي نحو تشديد سياسته النقدية في المستقبل القريب، وهو ما يترك الين عرضة لمزيد من الضعف في حال استقر الدولار أو ارتفع.
غير أن هذه الفرضية تبقى معلقة بتوجهات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي خلال الأشهر القادمة. فإذا استمرت البيانات الاقتصادية في الإشارة إلى ضعف النمو، فقد يجد الفيدرالي نفسه مضطرًا إلى خفض أسعار الفائدة أو على الأقل الإبقاء عليها دون تغيير لفترة أطول من المتوقع، وهو ما قد يقوض القوة الحالية للدولار ويعيد الضغط الهبوطي على زوج الدولار/الين.
لذا أرى أن الحركة الحالية للدولار/الين هي انتعاشة مؤقتة تعكس ارتياحًا لحظيًا أكثر منها تغيرًا في الاتجاه العام. ما لم نشهد تحسنًا ملحوظًا في بيانات النمو الأمريكية، أو انفراجة حقيقية في ملف الرسوم الجمركية، فإن المسار العام للزوج قد يبقى عرضة لتحركات هبوطية، خاصة في ظل التباين بين المعطيات الاقتصادية والزخم الفني. ومن المحتمل أن يعود الزوج لاختبار مستويات قريبة من 141.50 وربما أدنى من ذلك، إذا ما تراجعت شهية المخاطرة مجددًا أو ظهرت إشارات على ضعف اقتصادي أعمق من المتوقع.
وفي النهاية، فإن بقاء الزوج أعلى من 143.00 يتطلب بيئة اقتصادية ومالية داعمة بوضوح، وهو ما لا توفره المعطيات الحالية الا بشكل ضعيف للغاية، مما يجعل من أي قرار باتخاذ مركز صعودي في المرحلة الحالية مخاطرة يجب التعامل معها بحذر كبير.
التحليل الفني لـ الدولار/الين ( USDJPY ):
من الناحية الفنية، على الرسم البياني لأربع ساعات لا يزال زوج الدولار الأمريكي/الين الياباني (USD/JPY) يتحرك ضمن قناة هابطة واضحة، على الرغم من الارتفاع المؤقت الذي شهده في الجلسة الأخيرة. وقد اقترب الزوج من الحد العلوي للقناة السعرية قرب مستوى 143.49، وهو ما يشير إلى احتمال ارتداد هبوطي ما لم ينجح في اختراق هذه القناة بإغلاق واضح أعلى منها. كما يشير النمط التوافقي الظاهر ( نموذج هارمونيك) إلى أن الزوج قد يكون بصدد إكمال موجة تصحيحية داخل الاتجاه الهابط العام.
![]() |
وتبقى المؤشرات الفنية ضعيفة رغم التحسن الطفيف في السعر. فمؤشر القوة النسبية(RSI) لا يزال في المنطقة المحايدة عند 41.21، مما يدل على غياب الزخم الصاعد القوي. أما مؤشرMACD، فيُظهر إشارة سلبية تدعم سيناريو الهبوط، بينما مؤشراBull Bear Power وCommodity Channel Index يقعان في المنطقة السلبية عند -2.356 و-64.788 على التوالي، مما يعزز التوقعات السلبية على المدى القريب. وفي المقابل، تميل المتوسطات المتحركة الرئيسيةSMA وEMA إلى التقاطع للأعلى، وهو ما يُعتبر إشارة على احتمال الصعود على المدى القريب، خصوصًا مع تواجد السعر أعلى المتوسطات لـ50 و200 يوم.
ومن ناحية المستويات الفنية، فإن الدعم الفوري يقع عند 142.17 يليه 142.62 ثم 141.57، وهي مستويات قد تُمثل محطات توقف مؤقتة في حال استمرار التراجع. وفي المقابل، فإن أي محاولة صعود تواجه مقاومات قوية عند 143.68 و145.52، ثم 146.54، والتي تمثل الحاجز الفاصل أمام العودة إلى الاتجاه الصاعد. ويُعزز هذا السيناريو حالة التردد في الأسواق نتيجة البيانات الاقتصادية الأمريكية المختلطة، وغياب رؤية واضحة بشأن توجهات الاحتياطي الفيدرالي، مما يجعل أية موجات صعود مؤقتة مرشحة لأن تقابل بعمليات بيع ما لم تتغير المعطيات الاقتصادية بشكل جوهري.
مستويات الدعم: 142.17 - 142.62 - 141.57
مستويات المقاومة: 143.68 - 145.52 - 146.54