كان القطاع المصرفي اللبناني يُعتبر في يوم من الأيام العمود الفقري للاقتصاد.الوطني وثق الناس بمدخراتهم في بنوكهم، ووعدتهم البنوك بحماية ثرواتهم وتوفير الاستقرار. في المقابل، منحت البنوك فوائد مرتفعة على المدخرات والسندات، مما جعله أكثر جاذبية للمستثمرين الباحثين عن عوائد مرتفعة مع مخاطر ضئيلة أو معدومة. ومع ذلك، بدأت سلسلة من الأحداث المؤسفة تتكشف تحت السطح، مما أدى إلى انهيار دراماتيكي.
في قلب بيروت، كان من المفترض أن يكون المصرف المركزي، مصرف لبنان (BDL)، حارسًا للاستقرار المالي. كان دوره مراقبة ومراقبة أنشطة جميع البنوك بموجب إطار إدارة المخاطر (بازل II). صُممت بازل II لتعزيز استقرار القطاع المصرفي من خلال ضمان احتفاظ البنوك برأس مال كافٍ لتغطية المخاطر المختلفة. ولكن بمرور الوقت، تورط في مخططات هندسية مالية محفوفة بالمخاطر. صُممت هذه المخططات لجذب العملات الأجنبية وتعزيز الاحتياطيات، لكنها بُنيت على أسس هشة. انخرطت البنوك، بتشجيع من مصرف لبنان، في ممارسات أعطت الأولوية للمكاسب قصيرة الأجل على النمو المستدام. وأضاف عدم الاستقرار السياسي في لبنان وقودًا إلى النار. عانت الحكومة من الفساد وعدم الكفاءة، مما أدى إلى سياسات اقتصادية غير متسقة. جعل عدم الاستقرار من الصعب على المصرف المركزي إنفاذ اللوائح والحفاظ على السيطرة على القطاع المصرفي. ومع تصاعد الضغوط السياسية، تعرضت قدرة مصرف لبنان على تنفيذ سياسات نقدية مستقلة للخطر..
في غضون ذلك، بدأت الليرة اللبنانية تفقد قيمتها، مما تسبب في ارتفاع حاد في التضخم. وبدأ الذعر يسيطر على الناس، وتآكلت الثقة في النظام المصرفي. سارع المودعون إلى سحب أموالهم، مما أدى إلى تهافت على البنوك لسحب الودائع، مما أدى إلى استنزاف احتياطياتها. وواجهت البنوك، التي اضعفتها بالفعل الاستثمارات المحفوفة بالمخاطر وسوء الإدارة، صعوبة في تلبية طلبات السحب
ومما زاد الطين بلة، تخلف لبنان عن سداد ديونه. وقد أثر هذا التخلف بشدة على سيولة القطاع المصرفي، مما زاد من صعوبة عمل البنوك. كما أدت مزاعم الفساد وسوء الإدارة داخل مصرف لبنان، بما في ذلك الاتهامات الموجهة إلى حاكمه، إلى تآكل ثقة الجمهورمع تفاقم الأزمة، أصبح غياب الرقابة التنظيمية جليًا. لقد فشل البنك المركزي في فرض أطر عمل متينة لمنع تراكم الخسائر وسوء الإدارة داخل البنوك. وقد أدى مزيج التدخل السياسي والممارسات المالية الخطرة وضعف الرقابة إلى خلق عاصفة عاتية أدت إلى انهيار القطاع المصرفي اللبناني.
في أعقاب ذلك، واجه الشعب اللبناني واقعًا قاسيًا. فقد حُبست مدخراتهم، وتعرض الاقتصاد لاضطرابات، وتوقفت الساحة السياسية، وتدهورت حالة الأمن في البلاد. وأصبحت البنوك التي كانت محل ثقة رمزًا للفشل والخيانة. السؤال الرئيسي هو ما الذي يجب فعله لتعويض الخسائر؟
يتطلب إحياء الثقة في القطاع المصرفي اللبناني نهجًا شاملًا يعالج القضايا الهيكلية والتشغيلية والاستقرار السياسي. وينبغي أن تتمتع البنوك بسيولة كافية لتلبية طلبات المودعين، ربما من خلال الدعم المالي الدولي والاستفادة من الأصول. كما يجب وضع إطار تنظيمي لمنع الممارسات المالية الخطرة، ومكافحة الفساد، واستعادة صورة لبنان لدى شعبه أولًا، ثم لدى المجتمع الدولي. تتعاون الحكومة اللبنانية وحاكم مصرف لبنان مع المنظمات الدولية مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي لتأمين المساعدات المالية والدعم الفني لتنفيذ الإصلاحات. الإصلاحات فنية، لكن النقاش والخلافات مشحونة سياسياً. السياسيون، تاريخياً، هم مصرفيون أو مالكو بنوك أو ممولون من المصارف مما يجعل من المستحيل أن يكونوا منصفين وعادلين. مع وصول الحكومة الجديدة، أصبح تشكيل حكومة القاضي نواف سلام ممكناً الآن لأن مهمتها هي استعادة قانون البلاد وبناء الثقة. تبدأ الإصلاحات بفصل الواجبات والاختصاصات، من خلال تعزيز الإصلاحات، وتطبيق قوانين جديدة (مثل السرية المصرفية)، ومكافحة الفساد، وتعزيز الإطار التنظيمي، وخطة إعادة هيكلة المصارف. يجب أن يحدث كل هذا قبل انتخابات عام 2026. بمعنى آخر، أمام هذه الحكومة عام واحد لتحقيق هذه الخطة الطموحة.
في حين أن قانون إعادة هيكلة القطاع المصرفي قد وافق عليه مجلس الوزراء وهو قيد المناقشة حالياً في لجنة المال والموازنة النيابية. لا يزال التشريع المتعلق بتوزيع خسائر أزمة 2019 ووضع خطط لسداد أموال المودعين قيد الموافقة. تُعد هذه الخطوة حاسمة لإعادة بناء الثقة مع الجمهور، وخاصةً أولئك الذين فقدوا مدخراتهم خلال الأزمة المالية، ومع المستثمرين الدوليين.
لذا، يدور النقاش الرئيسي حول كيفية توزيع الخسائر بين ثلاثة أطراف: ١) المصرف المركزي، ٢) الحكومة، و٣) المصارف. يُركز السياسيون ووسائل الإعلام على الانقسام بين المودعين والمصارف والحكومة. مصرف لبنان والحكومة اللبنانية والمصارف جميعهم مسؤولون عن ذلك. وقد أدى الفساد وسوء الإدارة داخل الحكومة والمصرف المركزي إلى مزيد من تآكل الثقة والاستقرار في البلاد. كما أن فشل المصرف المركزي في تطبيق أطر تنظيمية قوية (بموجب اتفاقية بازل 2) وآليات رقابية، سمح للبنوك بالانخراط في ممارسات مالية محفوفة بالمخاطر دون إشراف كافٍ. كما صُممت مخططات "الهندسة المالية" لإنقاذ بعض المصارف المملوكة للسياسيين من المتاعب المالية. لذا، فإن السؤال الرئيسي هو ماذا كانت تفعل لجنة الرقابة على المصارف في ذلك الوقت وفي جميع الأوقات الأخرى؟
وبينما قد يكون المودعون قد استفادوا من عوائد مرتفعة على ودائعهم، لا ينبغي إلقاء اللوم عليهم على فساد وسوء إدارة وجشع
المسؤولين الحكوميين والمصرفيين. في حين أن المودع هو آخر من يُلام، إلا أنه أول من يقع ضحية هذه المخططات الشبيهة بمخططات بونزي. وبينما ترفض البنوك الوصول إلى مدخرات المودعين، فإنها تزيد الرسوم (مثل رسوم البطاقات، ورسوم الرسائل النصية، ورسوم الإدارة، إلخ) لتغطية خسائرها من أموال المودعين. المودعون عاجزون. لا يمكنهم إغلاق حساباتهم ولا الاعتراض على الرسوم، وبالتأكيد لا يحصلون على فوائد على ودائعهم. لذا، فإن الضحية الوحيدة هنا هو المودع. بمعنى آخر، المودعون ليسوا، ولا ينبغي أن يكونوا، جزءًا من نقاش توزيع الخسائر .
لإنعاش القطاع المصرفي في لبنان، يجب بناء الثقة. وتبدأ الثقة بالمودعين أولاً، ثم بالمؤسسات الدولية والجهات المانحة ثانيًا