قام الرئيس دونالد ج. ترامب بأول زيارة له بصفته الرئيس السابع والأربعين إلى المملكة العربية السعودية، في تكرارٍ لزيارته السابقة خلال فترة ولايته كرئيسٍ خامسٍ وأربعين. ينصبُّ تركيز ترامب على الشرق الأوسط على إبرام الصفقات الاقتصادية، مُؤكِّدًا على خلفيته كرجل أعمال. ويتمثل هدفه الرئيسي في تعزيز العلاقات مع دول الخليج، مثل المملكة العربية السعودية وقطر والإمارات العربية المتحدة، مُعتبرًا إياها قوىً مُستقبلية. بالإضافة إلى ذلك، تُعتبر المملكة العربية السعودية شريكًا استراتيجيًا نظرًا لإنتاجها النفطي الكبير ودورها في السلام الإقليمي والنمو الاقتصادي العالمي.
تُشير زيارة ترامب إلى تحوّلٍ قويٍّ نحو الشراكة التجارية والأمنية مع المملكة العربية السعودية، والذي يُبرزه استثمارات بقيمة 600 مليار دولار ومبيعات أسلحةٍ ضخمة. وتُؤكِّد هذه الرحلة تحوّلًا عن الإدارات السابقة، مُركِّزةً بشكل أقل على حقوق الإنسان ومُركزةً بشكل أكبر على المصالح الاقتصادية، لا سيما في مجالي التكنولوجيا والدفاع.
كانت استراتيجية ترامب "لنجعل أمريكا عظيمةً مجددًا" (MAGA) محورَ هذه الرحلة، حيث سعى نهجه إلى تأمين الوظائف الأمريكية وتأمين الاستثمارات، مع إبراز النفوذ الأمريكي من خلال النفوذ الاقتصادي بدلًا من التدخل العسكري. خلال هذه الزيارة، وقّع ترامب اتفاقيات بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية بشأن 1) صفقات الدفاع، 2) استثمارات الذكاء الاصطناعي والتكنولوجيا، 3) الشراكة مع معهد سميثسونيان، 4) عدة قطاعات (الطاقة، والفضاء، والرعاية الصحية، والتصنيع، والبنية التحتية). يُعد هذا الاستثمار جزءًا من استراتيجية المملكة العربية السعودية الأوسع نطاقًا لترسيخ مكانتها كمركز عالمي للذكاء الاصطناعي. تعهدت المملكة العربية السعودية بالاستثمار في شركة داتا فولت والعديد من عمالقة التكنولوجيا الأمريكية مثل: جوجل، وأوراكل، وسيلزفورس، وإيه إم دي، وأوبر مقابل 80 مليار دولار. وتُعتبر هذه الاتفاقيات حجر الزاوية في "عصر ذهبي جديد" في العلاقات الأمريكية السعودية، حيث يؤكد الجانبان على النمو الاقتصادي المتبادل، والريادة التكنولوجية، والاستقرار الإقليمي.
تُعدّ هذه الاتفاقية بمثابة حافز للعديد من ركائز رؤية السعودية 20230، التي أُطلقت عام 2016، وتهدف إلى تنويع الاقتصاد السعودي وتحسين جودة الحياة. وستُطوّر هذه الاتفاقية قطاعات جديدة وقائمة مثل التكنولوجيا، والتصنيع، والفضاء، والطاقة المتجددة. وترتبط هذه الأهداف بشكل مباشر برؤية المملكة للنمو والتطور ولتكون رائدة في مجال الطاقة المستدامة.
ترى المملكة العربية السعودية ودول الخليج الأخرى أن الزيارة بمثابة تصديق على مكانتها كقوى ناشئة وأن الاتفاقيات الجديدة بمثابة منصة لتنويع اقتصاداتها بما يتجاوز النفط. كما تعزز هذه الرحلة الدور السياسي لولي العهد محمد بن سلطان كصانع سلام في المنطقة. وقد تمكن من إقناع الرئيس الأمريكي برفع العقوبات الأمريكية على سوريا التي فُرضت لأول مرة في عام 2004 (بموجب قانون محاسبة سوريا واستعادة السيادة اللبنانية)، وفي وقت لاحق من عام 2011 ردًا على الحرب الأهلية السورية والقمع العنيف الذي شنه نظام الأسد على المتظاهرين، وسعت الولايات المتحدة العقوبات بشكل كبير. وشملت هذه العقوبات: تجميد أصول الحكومة السورية؛ وحظر الاستثمار الأمريكي في سوريا؛ وتقييد واردات البترول، واستهداف الأفراد والكيانات المرتبطة بنظام الأسد. في عام 2019، شدد "قانون قيصر لحماية المدنيين في سوريا" (قانون قيصر) العقوبات، مما أدى إلى معاقبة الشركات والأفراد الأجانب الذين يتعاملون مع الحكومة السورية، وخاصة في قطاعات مثل البناء والطاقة والتمويل. يقول الرئيس الأمريكي إن العقوبات شلت الاقتصاد السوري بشدة. وجادل الرئيس ترامب بأن رفعها سيسمح للبلاد بالبدء في إعادة بناء بنيتها التحتية واقتصادها، وسيفتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية، وخاصة من دول الخليج. السؤال الرئيسي هو: بأي شروط؟ نعلم جميعًا أنه "لا يوجد شيء اسمه غداء مجاني".
تأتي زيارة الرئيس ترامب في ظلّ ديناميكيات إقليمية مُعقّدة: الصراع المستمر بين إسرائيل وحماس؛ والتهديدات المُستمرة بين إسرائيل وميليشيا حزب الله الإيرانية في لبنان؛ والقصف المُستمر لداعش في سوريا والحوثيين في اليمن. كما تأتي هذه الزيارة في وقت تُفاوض فيه الولايات المتحدة على شروط جديدة مع الحكومة الإيرانية، والتي من شأن أي فشل فيها أن يُؤدي إلى حرب إقليمية كبرى. وتشهد المفاوضات الأمريكية الإيرانية حالة من الجمود: فالمحادثات المباشرة محدودة، والثقة مُنخفضة، والتوتر مُرتفع، والاستعداد العسكري غير المُسبوق للصدام في أعلى درجاته، ويركز الجانبان على إدارة التوترات بدلاً من تحقيق اختراقات كبيرة. ويبدو أن الحكومتين تُفضّلان الاحتواء والحوار غير المباشر على المواجهة المفتوحة. ولم يتضح رد فعل إيران بعد، إذ قد ترى في اتفاقية الدفاع بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية استفزازًا، مما قد يُصعّد الصراعات بالوكالة في لبنان والعراق واليمن. كما يُمكن لإيران أن تُوثّق علاقاتها مع روسيا والصين، مما يُعمّق الانقسامات الجيوسياسية العالمية. علاوة على ذلك، يتطور السياق الاقتصادي العالمي ويتصاعد التوتر. في الختام، يُتيح الاتفاق الأخير بين الولايات المتحدة والمملكة العربية السعودية، بما يتضمنه من التزامات استثمارية كبيرة، إمكانية تحفيز النمو الاقتصادي في البلدين من خلال الاستثمار المُستهدف في القطاعات الرئيسية، وخلق فرص العمل، وزيادة التبادل التجاري. ويعتمد النجاح طويل الأمد والمساهمة الإجمالية في النمو الاقتصادي العالمي على التنفيذ الفعال للمبادرات المتفق عليها، وتطور ديناميكية العلاقة الأمريكية السعودية في المشهد العالمي الأوسع، والتهديدات المستمرة من النظام الإيراني ووكلائه.