في ظل الأزمة المالية المطولة التي يمر بها لبنان، وانعدام كفاءة الخدمات العامة، والشلل المؤسسي، وارتفاع مستويات الفساد، تُعدّ فكرة الخصخصة، أي نقل الخدمات أو الأصول العامة إلى الملكية الخاصة، جوهريةً لتعافي البلاد وتطورها المستقبلي.
ويجادل الخبراء بأن الخصخصة قد تُحقق العديد من الفوائد الاقتصادية والحوكمة، إلا أن تأثيرها سيعتمد بشكل كبير على كيفية تصميمها وتنفيذها وتنظيمها. ويجادل السياسيون بأن بيع الأصول العامة الآن قد لا يكون الشيء "الصحيح سياسيًا" الذي ينبغي فعله في خضم الانتخابات المقبلة، إذ لا يُفضّله موظفو القطاع العام.
للبنان تاريخ طويل من الإصلاحات الاقتصادية الفاشلة. فعلى الرغم من الدعوات المتكررة من المنظمات الدولية (مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي) لخصخصة الشركات المملوكة للدولة لخفض الدين العام وتحسين الكفاءة، فقد أُحبطت العديد من المحاولات. بدأ الحديث الجاد عن الخصخصة في أوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما كان الاقتصاد اللبناني يعاني من ضغوط، ودفعت المؤسسات المالية الدولية، مثل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي، نحو خصخصة الشركات المملوكة للدولة. وكان الهدف هو خفض الدين العام اللبناني الكبير، وتحسين كفاءة الكيانات المملوكة للدولة، وجذب الاستثمارات الخاصة. في عام 2002، طرحت الحكومة اللبنانية فكرة خصخصة شركة طيران الشرق الأوسط جزئيًا. كانت الفكرة هي بيع حصة في شركة الطيران لمستثمرين من القطاع الخاص مع إبقاء الحكومة كمساهم رئيسي. واعتُبر هذا وسيلة محتملة لتحديث شركة الطيران، وزيادة رأس المال، وتحسين كفاءتها التشغيلية. في عام 2009، وافقت الحكومة اللبنانية على بيع حصة 15% في شركة طيران الشرق الأوسط لمستثمرين من القطاع الخاص، وهو ما اعتُبر خطوة نحو زيادة مشاركة القطاع الخاص في عمليات الشركة. خضعت شركة طيران الشرق الأوسط لإعادة هيكلة جزئية وتسويق، مع بقاء مصرف لبنان المساهم الرئيسي فيها. ومع ذلك، فقد أظهرت شركة الطيران مرونة ملحوظة ونجاحًا تشغيليًا.
تتميز السياسة اللبنانية بنظام طائفي، حيث تُقسّم السلطة السياسية بين مختلف الطوائف الدينية (مثل السنة والشيعة والمسيحيين والدروز). يُنشئ هذا النظام شبكة زبائنية يسيطر فيها القادة السياسيون على موارد القطاع العام للحفاظ على ولائهم ومحسوبيتهم بين مؤيديهم. القطاع العام كمحسوبية: تُوفّر العديد من الشركات المملوكة للدولة في لبنان، بما في ذلك شركة طيران الشرق الأوسط، فرص عمل ودعمًا وخدمات تُفيد مختلف الطوائف. تُهدّد خصخصة هذه الكيانات بتعطيل تدفق الموارد إلى فئات مُعيّنة، مما يُخاطر بفقدان رأس المال السياسي. يخشى القادة السياسيون أن تُقلّل الخصخصة من قدرتهم على توفير هذه المزايا، وقد تُضعف قاعدة دعمهم. لطالما كان القطاع العام جهة توظيف رئيسية في لبنان، وقد تُؤدي الخصخصة إلى تسريحات أو تخفيضات في الرواتب، مما يُنفّر قواعد انتخابية رئيسية. يخشى العديد من اللبنانيين أن تُؤدي الخصخصة إلى فقدان جماعي للوظائف، لا سيما في المؤسسات التي تُسيطر عليها الدولة والتي تُوظّف الآلاف، والانتخابات على بُعد عام واحد. يرى البعض أن الخصخصة - وخاصةً من قِبَل المستثمرين الأجانب - تُمثّل خسارةً مُحتملةً للسيادة.
أي إصلاح، وخاصةً الخصخصة، سيكون ذا طابع سياسي. استفادت مختلف الفصائل السياسية استفادةً كبيرةً من توظيف عدد كبير من المؤيدين لكسب الأصوات. قد تجادل مصالح تجارية نافذة بأن الأصول مقومة بأقل من قيمتها الحقيقية وأنها جزء من الثروة الوطنية. كما يمكنها أن تجادل بأن هذه الأصول مقومة بأقل من قيمتها الحقيقية وأداؤها ضعيف. تُعد المعارضة الشعبية، والقضايا التنظيمية، والمخاوف بشأن العدالة والتسعير من بين العقبات الرئيسية التي يجب معالجتها. لضمان تحقيق الخصخصة للنتائج المرجوة، لا بد من اتباع نهج استراتيجي ومخطط جيدًا مع وجود هيئات تنظيمية مستقلة وشفافة، حيث تراقب هذه الهيئات جودة الخدمات والتسعير والمنافسة والفساد.
إن الخصخصة، إذا ما نُفِّذت بوعي وشفافية، قد تُشكِّل خطوةً مهمةً نحو التعافي الاقتصادي وتحسين الحوكمة في لبنان. ويتطلب المضي قدمًا تخطيطًا دقيقًا، وأطرًا تنظيميةً متينة، ومشاركةً واسعةً من الجهات المعنية لضمان تحقيق الفوائد وتخفيف التحديات. ولضمان نجاح الخصخصة، يمكن للبنان البدء ببرامج تجريبية في قطاعات أقل إثارةً للجدل لإثبات الفوائد وبناء ثقة الجمهور.
باختصار، لا تزال الخصخصة من المحرمات في الخطاب السياسي اللبناني، وذلك نتيجةً لعوامل سياسية واقتصادية واجتماعية متعددة. وقد ساهمت عواملٌ عديدة، منها النظام الطائفي والزبائني المتجذر، والخوف من السيطرة الأجنبية، والإخفاقات التاريخية للخصخصة، والأزمة الاقتصادية الحالية، في جعل الخصخصة موضوعًا مثيرًا للجدل وغير مرغوب فيه. ينبغي أن يتحول النموذج الاقتصادي المستقبلي للبنان من قطاع عام مُتضخم وغير كفؤ إلى قطاع خاص ديناميكي وشفاف ومدفوع بالابتكار، حيث تعمل الدولة كمنظم ومُمكّن، لا كمنافس. ومع ذلك، فبدون إصلاح مؤسسي، قد تُعيد الخصخصة وتمكين القطاع الخاص إنتاج هياكل السلطة القائمة، لذا يجب أن يترافق الإصلاح مع المساءلة والشفافية.