في وقت تتسارع فيه التحليلات الاقتصادية وتتناقض فيه التوقعات، يبرز سؤال محوري في الساحة الأميركية والعالمية: هل دخلت الولايات المتحدة في حالة من الركود الاقتصادي؟
البيانات الرسمية للربع الأول من عام 2025 لا تبشر بالخير ، إذ أظهرت انكماشًا طفيفًا في الناتج المحلي الإجمالي، ما أثار تساؤلات واسعة حول متانة الاقتصاد الأميركي في ظل التحديات الداخلية والخارجية. غير أن الصورة الكاملة تبدو أكثر تعقيدًا من مجرد رقم سلبي .
انخفاض الناتج المحلي الإجمالي في بداية العام لم يكن نتيجة لتراجع في الإنتاج أو الاستهلاك، بل ناتج أساسي عن ارتفاع حاد في الواردات، وهو ما يُعتبر غالبًا مؤشراً على قوة الطلب الداخلي. فزيادة الاستيراد تعكس رغبة المستهلك الأميركي وقدرته على الشراء، وإن كانت تُسجَّل كعامل سلبي في احتساب الناتج المحلي .
سوق العمل ما زال صامدًا
في موازاة هذا الانكماش، تظهر بيانات سوق العمل الأميركية أكثر تماسكاً. فمعدلات البطالة بقيت منخفضة، والوظائف لا تزال تُخلق بوتيرة مستقرة، ما يدفع العديد من المحللين إلى القول إن الحديث عن ركود في الوقت الحالي سابق لأوانه، خاصة أن أحد أبرز مؤشرات الركود التاريخية هو تراجع حاد في التوظيف، وهو ما لم يحدث بعد ..
القلق يتجه نحو المستقبل
رغم المؤشرات الإيجابية في بعض القطاعات، بدأت مخاوف الاقتصاديين بالتصاعد، لا بسبب ما يحدث الآن، بل مما قد يحدث قريباً. فارتفاع أسعار الفائدة بشكل مستمر، والتباطؤ في قطاع العقارات، وتقلبات الأسواق المالية، تشكّل مزيجًا من الضغوط التي قد تؤدي إلى تراجع أكبر في الإنفاق الاستهلاكي والاستثماري، ما قد يضع الاقتصاد الأميركي على طريق أكثر وعورة في النصف الثاني من العام .
ركود تقني أم زمني؟
يُجمع بعض الخبراء على أن ما تشهده أميركا حالياً قد يُصنّف ضمن ما يُعرف بـ"الركود التقني" – وهو تراجع في الناتج المحلي لربعين متتاليين – لكنهم في الوقت نفسه يُشيرون
إلى أن ذلك لا يعني بالضرورة وجود ركود اقتصادي فعلي بمعناه الشامل، طالما أن الاستهلاك والتوظيف لا يزالان قويين .
هل يكون الاقتصاد الأميركي مرآة للعالم؟
مع ترابط الاقتصاد العالمي، يُراقب العالم عن كثب ما يحدث في أميركا. إذ أن أي تباطؤ حاد فيها قد ينعكس على الأسواق العالمية، خاصة في الدول التي تعتمد بشكل كبير على التجارة أو الاستثمار مع الولايات المتحدة، بما في ذلك العديد من الدول العربية .
في الخليج، حيث تُضخ الاستثمارات في القطاعات التقنية والطاقة النظيفة، يُمكن أن تؤثر أي هزة أميركية في أسواق النفط. وفي دول مثل لبنان ومصر، قد يزداد الضغط على العملات المحلية وأسواق التمويل الخارجي في حال تشددت السياسة النقدية الأميركية أكثر.
الحذر مطلوب، لكن الذعر غير مبرر
بين لغة الأرقام ونبرة التحليل، يبدو أن الاقتصاد الأميركي لا يزال صامداً، وإن كان يعاني من بعض الضغوط. ومع أن خطر الركود وارد في حال تراكمت المؤشرات السلبية، فإن الأسس الاقتصادية – وخاصة سوق العمل القوي والاستهلاك النشط – لا تزال تُشكّل حائط صد أمام أي تراجع كبير في المدى القريب .
إن قراءة تطورات الاقتصاد الأميركي من زاوية عربية ليست ترفًا، بل ضرورة، فمصير الدولار وأسعار الفائدة والنمو العالمي تبدأ إشاراتها من واشنطن… لكنها لا تتوقف عند حدودها .