ابي حيدر : ملف النفط بات ذا اهمية على طاولة التفاوض الاقليمي والعالمي

ابي حيدر : ملف النفط بات ذا اهمية  على طاولة التفاوض الاقليمي والعالمي

منذ سنوات واللبنانيون يعدّون الساعات والايام التي تفصلهم عن تدشين أول بئر نفطي أو حقل غاز على ارضهم أو ضمن حدودهم البحرية، ولكن يبدو أن انتظارهم سيطول ويطول ولن يجرؤ أي من المسؤولين في لبنان أن يحدد التاريخ الفعلي لتلك الانطلاقة، أو أن يكشف عن الاسباب الحقيقية لذلك خصوصا بعد التطورات العسكرية التي حصلت في المنطقة بين اسرائيل وايران واذرعها في المنطقة والتي ادت الى تدمير قطاع غزة وقرى لبنانية جنوبية وقسم كبير من ابنية ضاحية بيروت الجنوبية.

لذلك فقط تتنافس مراكز النفوذ الاقليمية والدولية للامساك برقاب ثروة لبنان النفطية . وهي ربما مستعدة لخوض الحروب من أجل ذلك ولكنها حتى الآن تضع العراقيل وتفتعل المشاكل من اجل إبقاء تلك الثروة في باطن الارض ريثما تساعد الظروف على بلورة من ستكون له اليد الطولى في استثمارها أو على الأقل إدارتها ..

بما يعني بات يطرح السؤال التالي هل أصبح استخراج النفط في لبنان عنصراً يُستخدم في التفاوض حول استقرار المنطقة ومستقبلها؟

هذا السؤال طرحته " مجلة 24 " على المحامية والخبيرة القانونية في شؤون الطاقة كريستينا ابي حيدر التي استهلت حديثها بالقول " يُعدّ ملف النفط والغاز اللبناني عنصرًا ذا وزن حقيقي على طاولة التفاوض الإقليمي والدولي. فهو يُعزّز موقع لبنان التفاوضي مع إسرائيل ومع القوى الدولية، عبر دفع الخصوم أو الشركاء الإقليميين للاعتراف بحقوقه البحرية وموارده الوطنية. وقد أظهرت الوساطة التي قام بها المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين، والتي أدت إلى التوصل إلى اتفاق بين لبنان وإسرائيل، كيف أن ملف الطاقة بات يُستخدم لتحقيق أهداف سياسية أوسع، من بينها الحد من نفوذ حزب الله وضمان قدر من الاستقرار الأمني الإقليمي.

 كما ان دخول شركة قطر للطاقة الى جانب شركتي ايني وتوتال اينرجي عام 2023، شكّل تطورًا نوعيًا في المشهد، حيث ساهم في رفع المستوى السياسي لمفاوضات التراخيص، وفي إعادة تقديم لبنان كطرف جاذب للاستثمارات في قطاع الطاقة.

وتُظهر مشاركة قطر، إلى جانب الضغط الفرنسي والأميركي، أن ملف النفط والغاز لم يعد تقنيًا بحتًا، بل أصبح ورقةً جيوسياسية تسهم في رسم ملامح العلاقات الإقليمية وموازين القوى فيها.

ورغم هذه التطورات، فإن الاستخراج التجاري للنفط والغاز في لبنان لا يزال بعيد المنال، نتيجة التخوّف الأمني، التحديات التقنية، وتأخر جولات التراخيص.

وبالتالي، أصبح ملف النفط والغاز اللبناني جزءًا فاعلًا في التحالفات والتوازنات الإقليمية والداخلية. فهو يُستخدم كأداة لحماية السيادة اللبنانية، وللحد من نفوذ بعض القوى الداخلية، وفي الوقت ذاته لجذب دعم سياسي واقتصادي دولي.

وعن سبب غياب هذا الملف عن النقاش العام رغم انه يمثل فؤصة ذهبية لانقاذ لبنان .

قالت ابي حيدر "يشكّل النفط والغاز في لبنان – من الناحية النظرية – فرصة استراتيجية لإنعاش الاقتصاد المنهار، عبر خفض الدين العام، وتأمين الطاقة محليًا، وجذب الاستثمارات الأجنبية، وتوفير فرص العمل. فلبنان يمتلك موقعًا جغرافيًا واعدًا، وكتلًا بحرية تتداخل مع ممرات غاز شرق المتوسط، وتقديرات دولية تفيد بوجود احتياطات قابلة للاستخراج.

ورغم إطلاق أولى جولات التراخيص عام 2013، وحفر أول بئر استكشافي في البلوك 4 عام 2020، اضافة الى حفر بئر استكشافي ثان في البلوك رقم في9 في العام 2023 لم يُسجَّل أي اكتشاف تجاري مثبت حتى اليوم. علما بأن شركة توتال انيرجي لم تسلم الدولة اللبنانية النتائج التقنية للبلوك التاسع حتى تاريخه...هذا الغياب للنتائج جعل الملف يفقد مكانته تدريجيًا في النقاش العام، وأُدرج في خانة "الوعود المؤجلة".وعلى الرغم من ذلك كله فان دورة التراخيص الثالثة تم تمديدها لغاية تشرين الثاني من هذا العام.

اضافت :الانهيار الاقتصادي منذ 2019، وما تبعه من تضخم، وفقدان للرواتب، وانقطاع الكهرباء والدواء، جعل من الصعب على اللبناني أن يوجّه اهتمامه نحو الملفات الاستراتيجية، بما في ذلك ملف النفط. الأولوية أصبحت للبقاء اليومي لا للوعود بعيدة الأمد.

لا يُخفي المواطن اللبناني شكوكه في قدرة الدولة على إدارة هذا الملف باحتراف ونزاهة، خصوصًا في ظل إرث من الفساد في قطاعات أساسية مثل الكهرباء والنقل. هذا الشك ينعكس على التفاعل اللبناني، ويحوّل الموضوع من قضية أمل إلى مجال للتهكم أو اللامبالاة.باستثناء تغطيات متقطعة، لم يحتل ملف الغاز حيّزًا ثابتًا في الإعلام اللبناني، ولم يُطرح كقضية وطنية جامعة. كما أن المجتمع المدني، رغم نشاطه في قضايا الحقوق والحوكمة، لم يُفعّل جهوده بشكل كافٍ في مراقبة هذا القطاع أو الضغط لإعادة فتحه للنقاش

بلا شك  يمكن إعادة ملف النفط والغاز إلى الواجهة، بشرط :

إعلان نتائج التنقيب بشفافية.بناء ثقة حقيقية بين الدولة والمجتمع بشأن إدارة الموارد الوطنية.

وردا على سؤال اذا كان تقطيع البلوكات النفطية تم بطريقة تراعي الحصص السياسية لا المصلحة الوطنية ..

قالت ابي حيدر "في العام 2017، أقرّ مجلس الوزراء اللبناني تقسيم المنطقة الاقتصادية الخالصة إلى عشرة بلوكات بحرية، بهدف تنظيم عمليات التنقيب عن النفط والغاز. وقد استند هذا القرار – على الورق – إلى دراسات تقنية نفذتها شركات دولية متخصصة، تأخذ في الاعتبار العمق البحري، والخصائص الجيولوجية، وتوزيع التراكيب النفطية.

لكن هذه المقاربة العلمية لم تصمد طويلًا ويبرز البلوك رقم 9 كمثال فاقع على البعد السياسي للملف. فقد بقي هذا البلوك عالقًا لسنوات بسبب نزاع الحدود مع إسرائيل، قبل أن يتحوّل إلى ورقة تفاوض إقليمي، أفضت إلى توقيع اتفاق ترسيم حدود بحرية برعاية أميركية في أكتوبر 2022.

تسارعت وتيرة العمل في هذا البلوك مباشرة بعد الاتفاق، رغم أن مسوحات علمية كانت تشير إلى وجود إمكانات واعدة في بلوكات أخرى، لا سيما شمالًا، والتي بقيت خارج أولويات الدولة، لأسباب لم توضح رسميًا.

كما أن وتيرة طرح البلوكات في جولات التراخيص، وما رافقها من تأخير متكرر، أثار تساؤلات حول مدى خضوع هذه العملية لـ "تفاهمات فوقية" بين القوى المتحكمة بالمشهد السياسي. وحتى اليوم، لا توجد تقارير مفصلة للرأي العام عن أسس التقطيع، أو المعايير التي بُنيت عليها أولويات الحفر والاستثمار .

و تختم ابي حيدربالقول "علينا  ان نؤكد ان قطاع النفط والغاز في لبنان ما زال "ثروة محتملة" لم تتحول إلى واقع. لكن الطريقة التي أُدير بها تقطيع البلوكات تطرح أكثر من علامة استفهام. فحين تتحول الثروة الوطنية إلى "حصص سياسية موزعة على الخريطة"، تُصبح الفائدة المؤجلة، والتفريط في الفرص، مسألة وقت... لا أكثر