زوج الجنيه / الدولار يترقب قرار البنك الانجليزي المركزي

 زوج الجنيه / الدولار يترقب  قرار البنك الانجليزي المركزي

شهد زوج الجنيه الإسترليني/الدولار الأميركي حالة من التذبذب اللافت في الأيام القليلة الماضية، حيث فقد زخمه الصعودي بعد موجة ارتداد قصيرة دامت يومين فقط، ليستقر صباح اليوم الخميس في الجلسة الآسيوية قرب مستوى 1.3370. ورغم أن هذه المستويات قد تبدو فنية ومحايدة في ظاهرها، فإن القراءة المتأنية تُظهر أن الأسواق تترقب بحذر كبير ما سيصدر لاحقًا عن بنك إنجلترا، وسط حالة من الشكوك المتراكمة بشأن مستقبل السياسة النقدية البريطانية. وفي رأيي، فإن هذا التراجع الحذر ليس مجرد تصحيح سعري بسيط، بل يعكس قلقًا جوهريًا من تحول حاسم في السياسة النقدية قد يُضعف الجنيه على المدى القريب.

والتوقعات شبه المؤكدة لقيام بنك إنجلترا بخفض سعر الفائدة بمقدار 25 نقطة أساس ليست مفاجئة بحد ذاتها، لكنها تأتي ضمن سياق بالغ التعقيد اقتصاديًا. فالأسواق ترجّح أن لجنة السياسة النقدية ستصوّت بأغلبية 7 مقابل 3 لصالح الخفض، وهو ما سيؤدي إلى تقليص سعر الفائدة المرجعي من 4.25% إلى 4.00%. ومن وجهة نظري، فإن هذا القرار، وإن بدا منطقياً في ظل تباطؤ النمو البريطاني وعودة بعض المؤشرات التضخمية إلى الانكماش، إلا أنه قد يحمل في طياته إشارة سلبية خطيرة للسوق، مفادها أن بنك إنجلترا دخل في مرحلة تحوّل طويل الأمد نحو التيسير النقدي، مما قد يضغط على العملة البريطانية ويقيد مكاسبها المستقبلية مقابل الدولار الأميركي القوي.

فالأمر لا يقتصر فقط على بريطانيا، إذ إن المشهد العالمي بأكمله يتحرك ببطء نحو دورة خفض للفائدة، تقودها حالة من عدم اليقين المرتبط باحتمال تباطؤ اقتصادي واسع النطاق. فعلى الجانب الأخر ، تترقب الأسواق الأميركية أيضًا مؤشرات جديدة حول مستقبل الفائدة الفيدرالية. مع إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب تعيين رئيس جديد للفيدرالي ليحل محل كوغلار قد يؤثر بشكل مباشر على اتجاه السياسة النقدية في الولايات المتحدة. ومع صدور تقرير ضعيف لسوق العمل الأميركي، تزايدت احتمالات أن يخفض مجلس الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة في اجتماعه القادم في ايلول سبتمبر. ومن وجهة نظري، فإن تزامن خفض الفائدة في بريطانيا وأميركا يضع المستثمرين في مفارقة صعبة، إذ لن يكون لخفض بنك إنجلترا تأثير كبير على الجنيه ما لم يصاحبه تفوق واضح في السياسة النقدية الأميركية.

إضافة إلى ذلك، لا تزال مواقف مسؤولي الفيدرالي الأميركي تميل إلى التريث، وهو ما يزيد الضبابية. فقد أكدت ماري دالي، رئيسة بنك الاحتياطي الفيدرالي في سان فرانسيسكو، أن المعركة مع التضخم لم تُحسم بعد، وأن البنك قد يضطر لاتخاذ قرارات وهو لا يملك الصورة الكاملة. كما شددت سوزان كولينز وليزا كوك على أن استمرار حالة عدم اليقين الاقتصادية يجعل عملية اتخاذ القرار أكثر تعقيدًا. ورأيي هنا أن هذا التردد الأميركي يمنح الدولار نوعًا من الدعم غير المباشر، باعتباره عملة ملاذ في فترة الترقب، مما يعزز من ضغوطه على الجنيه الإسترليني في الوقت الراهن.

وفي المقابل، كان زوج الجنيه الإسترليني/الدولار قد شهد ارتدادًا فنيًا قويًا خلال الأيام القليلة الماضية، متجاوزًا مستويات 1.3350 بعد أن تراجع في الأسبوع السابق إلى أدنى مستوياته في 15 أسبوعًا قرب 1.3140. ويمثل هذا الارتداد تحركًا تقنيًا منطقيًا بعد بلوغ دعم المتوسط المتحرك الأسي لـ200 يوم قرب 1.3175، وهو ما اعتبره شخصيًا إشارة قصيرة الأجل على أن السوق لم يفقد بعد شهية المخاطرة على الإسترليني، لكن هذه الحركة تبقى هشة للغاية في غياب دعم أساسي قوي، وخاصة إذا تم تأكيد خفض الفائدة من قبل بنك إنجلترا هذا اليوم.

ورغم أن البعض يرى أن خفض الفائدة قد يكون "مبررًا" بسبب تباطؤ التضخم وتراجع النمو الاقتصادي، إلا أنني أعتقد أن الخطوة قد تأتي في وقت غير مناسب. فمن الواضح أن الأسواق لم تعد تُكافئ السياسات التوسعية بنفس الحماس السابق، لا سيما في بيئة تتجه فيها أغلب البنوك المركزية إلى الحذر الشديد بسبب الغموض الذي يخيم على الاقتصاد العالمي. وبالتالي، فإن قرار بنك إنجلترا، حتى وإن جاء مطابقًا لتوقعات السوق، قد يؤدي إلى نتائج معاكسة على الجنيه، لأنه سيُفهم باعتباره إشارة إلى مزيد من التيسير في المستقبل، وليس مجرد خفض وحيد.

والأكثر إثارة للقلق أن هذا سيكون الخفض السابع للفائدة من قبل بنك إنجلترا منذ تموز يوليو 2024، وهو ما يضع علامات استفهام حول قدرة الاقتصاد البريطاني على الخروج من مأزق النمو دون الاعتماد المفرط على أدوات السياسة النقدية. ومن وجهة نظري، فإن هذا التسلسل السريع في قرارات الخفض يعكس ضعفًا هيكليًا في الاقتصاد البريطاني أكثر من كونه سياسة استباقية ذكية، وهو ما يبرر الحذر المتزايد في الأسواق حيال الجنيه. ومع وجود قاع فني قوي عند 1.3200، فإن أي كسر لهذا المستوى قد يدعم تراجعات حادة نحو 1.3000 وربما أقل، في حال لم تُقدِّم البيانات الاقتصادية المقبلة ما يدعم الباوند.

وفي النهاية، أرى أن الجنيه الإسترليني يعيش لحظة مفصلية. فالأسواق تنتظر ما إذا كان بنك إنجلترا سيتبع النهج المتوقع أم يُفاجئ الجميع بموقف أكثر حذرًا. وإذا كان الخفض أمرًا لا مفر منه، فإن الرسائل المرافقة في تقرير السياسة النقدية ستكون أكثر أهمية من القرار نفسه. فإذا أشار التقرير إلى نية الاستمرار في دورة التيسير النقدي، فقد يكون ذلك كافيًا لدفع الجنيه إلى مستويات أدنى، رغم بعض الدعم الفني الذي بدأ يتشكل مؤخرًا. أما إذا رافق القرار خطاب حذر ومتزن يشير إلى "خفض وقائي"، فقد يتمكن الجنيه من الحفاظ على توازنه ولو مؤقتًا. لذلك، فإن السيناريوهات الثلاثة المطروحة – خفض مع نبرة سلبية، خفض مع نبرة حذرة، أو مفاجأة بالإبقاء – كلها ستحدد مسار الإسترليني خلال الأسابيع المقبلة، في وقت تحتاج فيه الأسواق إلى وضوح أكثر من أي وقت مضى.

التحليل الفني لـ الباوند/الدولار ( GBPUSD ):

يُظهر زوج الجنيه الإسترليني/الدولار الأميركي إشارات فنية متباينة ضمن نطاق تداول ضيق بعد ارتداد قوي من القاع الفني عند مستوى 1.3140، والذي يمثل الموجة الخامسة من نموذج موجات اليوت الخمس الهابطة على الإطار الزمني 4 ساعات. وهذا الارتداد الفني المدعوم بتشكُّل شمعة "نجمة الصباح" على خلفية بيانات الوظائف الأميركية السلبية، شكّل دفعة مهمة للمشترين الذين تمكنوا من اختراق مستوى المقاومة 1.3350، مما يلمح إلى تحوّل مؤقت في الزخم نحو الاتجاه الصاعد. ومع ذلك، فإن السعر الآن يواجه منطقة مقاومة مركّبة عند 1.3428، والتي تتزامن مع وجود المتوسط المتحرك لـ50 فترة، مما يجعلها نقطة محورية مهمة لتحديد الاتجاه التالي.

 

Image

Image

 والزخم الحالي يُظهر بعض الإيجابية، خاصة في ظل الإشارات الصعودية لمؤشر الستوكاستيك، إلا أن مؤشر القوة النسبية(RSI) لا يزال أعلى خط الاتجاه الصاعد طويل الأمد، ما يبرر الحذر في قراءة التحركات الحالية. واختراق مستويات المقاومة الثانوية عند المتوسط المتحرك البسيط لـ100 يوم (1.3369) والـ20 يومًا (1.3398) سيكون ضروريًا لتأكيد السيطرة الصعودية، التوجه نحو المستويات التالية عند 1.3589 ثم 1.3681. لكن طالما بقي السعر دون 1.3428، فإن احتمالية العودة إلى الهبوط تبقى واردة، خاصة إذا فشل السعر في تجاوز هذه العقبة الفنية خلال الساعات القادمة.

وفي حال عجز السعر عن تجاوز المقاومة المذكورة وحدث تراجع دون مستوى الدعم 1.3300، فإن ذلك سيعيد البائعين إلى السيطرة مع احتمالية استئناف الاتجاه الهابط باتجاه منطقة 1.3200 ثم إعادة اختبار القاع 1.3140، والذي يمثل مستوى دعم تاريخي وأدنى نقطة في الدورة الحالية. وأرى أن السيناريو الإيجابي يتطلب اختراقًا واضحًا فوق 1.3428 مصحوبًا بحجم تداول مرتفع وزخم متجدد، بينما السيناريو السلبي سيُفعّل بكسر مستوى 1.3300، مما يُبقي الاتجاه العام للزوج داخل قناة جانبية تميل للهبوط ما لم تظهر محفزات أساسية أو فنية جديدة.

مستويات الدعم: 1.3300 – 1.3200 – 1.3140

مستويات المقاومة:  1.3428 – 1.3589 – 1.3681