سوق العقارات الأميركية عند مفترق الطرق في ظل صراع طبقي عنيف

  سوق العقارات الأميركية عند مفترق  الطرق في ظل صراع طبقي عنيف

تشهد سوق العقارات في الولايات المتحدة مرحلة فاصلة، حيث تواجه الطبقة الوسطى صعوبات متزايدة في تملك المنازل، في حين يظل قطاع العقارات الفاخرة قوياً ومستقراً. يعكس هذا الانقسام تحولات اقتصادية واجتماعية عميقة تتعلق بمعدلات التمويل، وتكاليف الملكية، وظروف العرض والطلب.

خلال الأشهر الأخيرة، ارتفع عدد المنازل المعروضة للبيع بشكل غير مسبوق، خاصة في فئة العقارات الفاخرة التي تزيد قيمتها على مليوني دولار. في يونيو حزيران الماضي بلغ عدد البائعين 1.9 مليون مقابل 1.4 مليون مشترٍ، بفارق يقارب نصف مليون منزل. وسبب هذا التغير ارتفاع معدلات الرهن العقاري التي تجاوزت 6.7%، ما رفع تكلفة الاقتراض وأثر سلباً على قدرة الكثيرين على الشراء، إلى جانب استمرار ارتفاع أسعار المنازل، والضرائب العقارية، وأقساط التأمين.

كما زاد المعروض من المنازل عن 2.1 مليون في حزيران يونيو، بزيادة 14.7% عن العام السابق، مع اضطرار العديد من البائعين لتخفيض الأسعار لجذب المشترين. رغم ذلك، لا يزال المشترون يواجهون ارتفاعاً في الأسعار والرسوم المرتبطة بالملكية، مما يقيد حركتهم، وتختلف حالة السوق جغرافياً، إذ يشهد كل من فلوريدا وتكساس زيادة كبيرة في المعروض العقاري وفرص أفضل للمشترين، بينما تعاني مناطق الشمال الشرقي من نقص حاد في المنازل المعروضة وارتفاع الأسعار، مما يحد من خيارات المشترين في تلك المناطق.

من الناحية الاقتصادية، يظهر السوق انقساماً حاداً بين طبقة وسطى تواجه تحديات متزايدة في التملك، وطبقة عليا تستثمر في سوق الفخامة كملاذ آمن في ظل عدم اليقين الاقتصادي، ما يهدد بتفاقم الانقسام الاجتماعي والاقتصادي.

ولا يمكن إغفال تأثير السياسات الاقتصادية للإدارة الاميركية ، خاصة التعريفات الجمركية التي فرضتها إدارة دونالد ترامب على مواد البناء الأساسية كالخشب والفولاذ والألمنيوم، والتي أدت إلى زيادة تكاليف البناء. فرضت الولايات المتحدة رسوماً جمركية بنسبة 35% على الخشب الكندي، ما رفع من أسعار مواد البناء، وبدوره زاد من تكلفة المنازل الجديدة، مضيفاً تحديات جديدة أمام المشترين. هذه الرسوم الجمركية ترفع الأسعار بشكل غير مباشر، وتخلق حالة من عدم اليقين وتقلل من ثقة المشترين. رغم تخزين بعض الشركات للمواد قبل ارتفاع الأسعار، إلا أن شركات البناء تدفع حالياً أسعاراً أعلى، مما ينعكس في النهاية على ارتفاع تكلفة السكن.

مع زيادة عمليات سحب المنازل من السوق بنسبة 48% في يوليو تموز الماضي مقارنة بالعام السابق، يظل سوق الإسكان الأميركي في حالة تقلب وعدم استقرار، مما يتطلب مراقبة مستمرة وتحليلاً دقيقاً لضمان استدامته واستقراره.

في النهاية، يعكس السوق الأميركي للإسكان واقعاً اقتصادياً متبايناً، حيث تواجه الطبقة الوسطى صعوبات متزايدة في تحقيق حلم التملك، بينما تواصل النخبة الاستثمار في سوق الفخامة، مما يطرح تحديات كبيرة أمام السياسات الإسكانية المستقبلية.