ارتفاع الذهب مع ترقب الاسواق لخفض الفائدة ومخاطر الذكاء الاصطناعي مدّد الذهب مكاسبه اليوم، مرتفعاً بنحو 1% ليستعيد مستوى 3,480 دولاراً للأونصة، وذلك للمرة الأولى منذ شهرنيسان أبريل. ويعود المحرك المباشر لهذا الارتفاع إلى تنامي قناعة الأسواق بأن الاحتياطي الفيدرالي يتجه نحو خفض للفائدة في ايلول سبتمبر، وسط تصاعد ضغوط دونالد ترامب، فيما تفقد أسواق الأسهم زخمها مع تزايد المخاوف بشأن الحماسة المفرطة للذكاء الاصطناعي. وقد عززت هذه العوامل مجتمعة من جاذبية الذهب، مع سعي المستثمرين للتحوّط من حالة عدم اليقين النقدي ومن تقلبات أسواق الأسهم. الأسبوع الجاري سيكون بمثابة اختبار لهذه التوقعات، إذ ستتصدّر بيانات سوق العمل المشهد، بدءاً بتقرير الوظائف الشاغرة JOLTS يوم الأربعاء، مروراً ببيانات التوظيف في القطاع الخاص ADP يوم الخميس، وصولاً إلى تقرير الوظائف غير الزراعية يوم الجمعة، الذي يُعدّ الأهم على الإطلاق. فقد يؤدي تقرير أضعف من المتوقع إلى ترسيخ الرهانات على خفض الفائدة، ما سيضغط على الدولار الذي يتداول أصلاً عند أدنى مستوى له في خمسة أسابيع، في حين قد تدفع قراءة أقوى إلى تراجع قناعة الأسواق وتؤثر سلباً على الذهب. ويأتي ذلك بعد التحول الملحوظ في نبرة رئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، الذي تخلّى عن لهجته المتشددة التي استخدمها قبل ندوة جاكسون هول في الأسبوع قبل الماضي. ولا تزال تصريحاته الأخيرة تُلقي بظلالها على تحركات السوق. ووفقاً لمجلس الذهب العالمي، فقد أظهر الذهب تاريخياً حساسية متزايدة تجاه توقعات السياسة النقدية في فترة جاكسون هول، ويبدو أن هذا العام لا يشكّل استثناءً. لكن ما يتجاوز البيانات الاقتصادية هو دخول السياسة بقوة إلى المعادلة النقدية، في مشهد لم يُشهد له مثيل منذ عقود. إذ تشير صحيفة وول ستريت جورنال إلى أنه في حين يبدو خفض الفائدة في ايلول سبتمبر أمراً مرجحاً للغاية، فإن خطوة الرئيس ترامب غير المسبوقة بإقالة الحاكمة ليزا كوك ودفع مرشحيه الخاصين لعضوية مجلس الاحتياطي الفيدرالي، تهدد بزعزعة عملية صنع القرار داخل البنك المركزي وحذرت كريستين لاغارد، رئيسة البنك المركزي الأوروبي، من أن أي تقويض لاستقلالية الفيدرالي سيكون "مثيراً للقلق الشديد" ليس فقط بالنسبة للولايات المتحدة، بل وللاقتصاد العالمي بأسره، نظراً للمكانة المحورية للدولار. وقد أثارت المعركة القانونية والسياسية حول مقعد كوك شكوكاً بشأن قدرة جيروم باول على الحفاظ على التوافق داخل لجنة السوق المفتوحة، وهو ما يزيد من حالة عدم اليقين الراسخة أصلاً في الأسواق النقدية. وفي الوقت ذاته، تتزايد التساؤلات حول متانة أسواق الأسهم. فقد جادلت هيئة التحرير في وول ستريت جورنال في مقال للرأي الأسبوع الماضي، بأن تسييس ترامب للفيدرالي قد يكرر دوامات التضخم التي شهدتها تركيا أو الأرجنتين، فضلاً عن استدعاء مقارنات تاريخية مع ضغوط نيكسون على آرثر بيرنز في سبعينيات القرن الماضي. وتأتي هذه المخاطر في وقت تُسعّر فيه الأسهم الأمريكية عند مستويات بالغة الارتفاع، حيث تجاوزت التقييمات حتى تلك التي سادت خلال فقاعة الإنترنت، وفقاً للصحيفة. كما أن تركّز المكاسب في عدد محدود من أسهم التكنولوجيا العملاقة قد دفع بمؤشر S&P 500 إلى مستويات قياسية جديدة، لكنه في الوقت نفسه جعله أكثر هشاشة أمام أي تغيّر مفاجئ في المزاج الاستثماري. أما المخاوف المتعلقة بالذكاء الاصطناعي، فهي تضيف طبقة أخرى من هذه الهشاشة. إذ أبرزت صحيفة نيويورك تايمز التوتر القائم بين النمو الهائل في الطلب على الذكاء الاصطناعي وبين استدامة بنيته التحتية، بدءاً من المتطلبات الرأسمالية الضخمة، وصولاً إلى الحدود المادية للتوسع في مراكز البيانات. وعلى الرغم من أن المستثمرين برّروا ارتفاع تقييمات شركات التكنولوجيا بأرباح مدفوعة بالذكاء الاصطناعي، إلا أن المنتقدين يحذرون من أوجه شبه مع فقاعة الإنترنت، حيث قاد الإفراط في الاستثمار آنذاك إلى تصحيحات مؤلمة. وإذا ما تراجعت الحماسة أكثر، فإن مزيج التقييمات المبالغ فيها والتوقعات المتضخمة قد يشعل تراجعاً أوسع في الأسواق، مما يعزز مجدداً جاذبية الذهب كأداة للتحوّط من عدم الاستقرار المالي وكملاذ في خضم الضبابية السياسية. |