في عالم بات فيه التسوق يتم بنقرة، والعواطف تُعبّر عنها بإيموجي، أصبح السلوك الاستهلاكي الرقمي جزءًا لا يتجزأ من حياة الفرد اليومية. منصات الشراء الإلكترونية لا تنام، والإغراءات متاحة 24/7. لكن، خلف هذا الانبهار بالسرعة والراحة، يختبئ سؤال جوهري: هل كل هذه المشتريات تمنحنا فعلاً شعوراً بالسعادة؟ أم أننا نحاول ملء فراغ داخلي لا يُملأ؟
تتزايد المؤشرات النفسية على وجود علاقة وثيقة بين السلوك الشرائي الرقمي ومحاولة إشباع حاجات عاطفية غير مشبَعة، مثل الحاجة للانتماء، أو الشعور بالإنجاز. فهل أصبحت المشتريات الرقمية أداة للهروب؟ وكيف ينعكس ذلك على صحتنا النفسية؟
في عالم تحوّل فيه الهاتف إلى رفيق دائم، وأصبح معياراً جديداً لأسلوب الحياة، بات السلوك الاستهلاكي الرقمي ظاهرة تستحق التوقف عندها. من مشاهدة المحتوى لساعات، إلى التسوق الإلكتروني، إلى السعي للحصول على أكبر عدد من اللايكات والمتابعة المستمرة للترندات، يجد الإنسان نفسه مستهلكًا رقميًا بامتياز.
لكن خلف هذه السلوكيات المتكررة، يبرز سؤال عميق: هل كل ما نستهلكه رقمياً نحتاجه فعلاً؟ أم أننا نملأ فراغاً نفسياً، نبحث عن سعادة مفقودة، أو نحاول الهروب من ضغوط الواقع؟
يشير عدد من الدراسات النفسية إلى وجود علاقة بين الاستهلاك الرقمي ومحاولات إشباع الحاجات والدوافع النفسية مثل التقدير، الانتماء، التفريغ العاطفي، وحتى الهروب من الشعور بالوحدة أو الإحباط. ورغم أن هذه الأدوات قد تمنحنا ارتياحاً مؤقتاً، إلا أن الإفراط فيها قد يتحوّل إلى عبء نفسي .
فهل نحن مستهلكون رقميون واعون؟ أم مجرد ضحايا لخوارزميات تعرف عنا أكثر مما نعرف عن أنفسنا؟
ليس السلوك الاستهلاكي الرقمي مقتصراً على الشراء فحسب، بل يشمل التفاعل مع المنصات، مشاهدة الفيديوهات، استخدام الألعاب، وحتى تصفح الإعلانات. ومع ازدياد الإغراءات الرقمية وسهولة الوصول إليها، بات هذا السلوك وسيلة لإشباع حاجات نفسية مثل الشعور بالأمان، الانتماء، القبول، أو حتى السيطرة على القلق والملل.
يُظهر البعض دوافع تفاؤلية في استهلاكهم الرقمي، كأن يبحثوا عن الإلهام، التعليم أو تطوير الذات، بينما يتجه آخرون من منطلق تشاؤمي هروبي، يجدون في الشاشة مخرجاً من قلق، اكتئاب أو واقع مرهق.
الفرق بين الاستخدام الصحي والاستخدام الإدماني هو الوعي. فكلما امتلك المستخدم وعياً بنفسيته ودوافعه، كلما استطاع ضبط استهلاكه وتوجيهه نحو خيارات إيجابية.
هل يمكن شراء السعادة فعلاً؟
أثبتت الدراسات أن السعادة اللحظية الناتجة عن الاستهلاك الرقمي سرعان ما تتلاشى، وقد تتبعها مشاعر ندم، تعب ذهني أو شعور بالفراغ. فـ"عربة التسوق" لا تملأ فراغ القلب، والـ"لايك" لا يعوض تقديراً داخلياً نفتقده.
السعادة، في نهاية المطاف، ليست منتجاً رقمياً. بل هي نتيجة توازن داخلي، ووعي نفسي، واستهلاك هادف واعٍ.
من الناحية النفسية لماذا نحن متعلقون بهواتفنا؟
لماذا لا نستطيع الابتعاد عنه بسهولة؟
الجواب يكمن في حاجاتنا النفسية.
أولًا، الهاتف يشبع حاجاتنا للانتماء والتواصل. إشعار أو رسالة واحدة قد تجعلنا نشعر أننا "موجودون" ومهمون.
ثانيًا، الهاتف يعطينا شعورًا بالتحكم والإنجاز. كل لايك أو تفاعل على منشور هو مكافأة سريعة تحفّز الدماغ على تكرار السلوك ،.
ثالثًا، نخاف أن يفوتنا شيء (FOMO فنظل نتحقق من هواتفنا مرارًا.
رابعًا، عندما نشعر بالوحدة أو التوتر، يكون الهاتف ملجأ سريع للهروب من مشاعرنا.
لكن خلف هذا الارتباط القوي، هناك حاجة للتوازن. التعلق المفرط قد يؤثر على تركيزنا، نومنا، وعلاقاتنا.
لنستخدم التكنولوجيا بوعي... لا أن نُستخدم من قبله
ويجب التمييز بين الاستخدام الصحي للهاتف والتلعق المرضي به.
واذا اصبح الهاتف هو مصدر الراحة الوحيد أو الطريقة الأساسيةللهروب من التوتر ، فهنا يظهر خطر الادمان الرقمي