الأزمة المصرفية في لبنان بين الجهل والتجاهل!...

 الأزمة المصرفية في لبنان بين الجهل  والتجاهل!...

الأزمة المصرفية في لبنان ليست مجرّد "شحّ سيولة" عابر. إنها انهيار بنيوي هو الأكبر في تاريخنا الحديث. أكثر من 80 مليار دولار تبخّرت، وهو رقم يعادل ثلاثة أضعاف حجم الاقتصاد اللبناني. خلف هذا الرقم هناك مدّخرات عائلات، ومعاشات تقاعدية، ورأس مال كان يفترض أن يكون محرّكاً للنمو. لسنوات، قيل للبنانيين إن الحلول قادمة: قوانين جديدة، أو مؤتمرات صحافية، أو وعود بإعادة الرسملة. لكن الحقيقة واضحة: القوانين لا تُشرّع الثقة، والشعارات لا تعيد الأموال.

ما لا يمكن فعله...

- تشريع الثقة على الورق. الثقة تُبنى بالمصارحة والشفافية، لا بالقوانين الفارغة. اليابان في التسعينات خبأت الخسائر، والنتيجة كانت "العقد الضائع". لبنان لا يحتمل ضياع عقد جديد.

- إنقاذ جميع المصارف. محاولة إنقاذ الكل ستُهدر الموارد وتُؤجّل التعافي. آيسلندا عام 2008 سمحت بانهيار ثلاثة بنوك كبرى، وحمت صغار المودعين فقط، ثم أعادت البناء. هذه الجرأة مطلوبة عندنا.

- إعادة كل دولار. الوعد بردّ الودائع كاملة هو وهم وخداع. مع فجوة تتجاوز 80 مليار دولار، الاسترداد الكامل مستحيل. ما يمكن فعله هو حماية الصغار، وإنصاف المتوسّطين، وإعطاء الكبار أدوات استرداد حقيقية، لا أوراق بلا قيمة.

السياق الأوسع: الأزمة أكبر من المصارف...

حتى لو نجحنا في إعادة هيكلة المصارف، لبنان ما زال يواجه أزمات متشابكة:

- القائمة الرمادية لمجموعة العمل المالي: إضعاف علاقاتنا مع المصارف العالمية.

- القائمة السوداء الأوروبية: عائق أمام الاستثمارات والتحويلات.

- التعثّر السيادي وانهيار التصنيف الائتماني: الدولة غير موثوقة في الأسواق.

- العزلة السياسية والدبلوماسية، والتحديات الذي يواجها لبنان في تطبيق القرار الأممي 1701 ومندرجاته تزيد صعوبة جذب الدعم الخارجي.

كل هذا يثبت أن الحل المصرفي وحده غير كافٍ. المطلوب هو إعادة ضبط شاملة للحوكمة.

من الوهم إلى السيادة...

ما لا يستطيع السياسيون فعله هو إعادة الزمن إلى الوراء، أو إعادة كل دولار، أو إنقاذ كل مصرف. لكن ما يستطيعون فعله، إذا توفرت الإرادة، هو:

• مصارحة الناس بالحقيقة.

• توزيع الخسائر بعدالة.

• حماية صغار المودعين.

• إعطاء الكبار أدوات استرداد جدّية.

• تمكين الرقابة المستقلة.

• إدماج الإصلاح المصرفي في عملية أوسع لإعادة بناء الدولة.

المطلوب من الناس أن يرفضوا الأوهام، ويُطالبوا بالحقائق. المطلوب هو العدالة، لا المساومات. الثقة لا تُشرّع. الثقة تُبنى بالفعل، بالشفافية، وبالمحاسبة.

اللبنانيون يستحقون نظاماً مصرفياً يحترمهم كمودعين، لا كنظام يراهم كضحايا دائمين.

وأختم ملاحظاتي بالإشارة إلى ما يلي: قد لا يُبتّ مشروع قانون إعادة الانتظام المالي سريعاً، كما يأمل البعض؛ إذ يُرجَّح أن يتعرّض للمماطلة في مجلس النواب بسبب الإنتخابات البرلمانية في منتصف ال 2026، وربما يُؤجَّل البتّ فيه كلياً حتى لو تم إقراره سريعاً من مجلس الوزراء.