قفزت بتكوين فوق مستوى 117,000 دولار، وهو أعلى مستوى لها منذ أواخر اب أغسطس، في وقت تحاول فيه العملات المشفّرة كسر حالة التصحيح العميق التي هيمنت على السوق في الأسابيع الأخيرة. جاء هذا الارتفاع مدعوماً بتدفّقات أفضل نحو المنتجات المرتبطة بالعملات المشفّرة، مع غياب عمليات التصفية الكبرى للمراكز الشرائية، مما يترك المجال مفتوحاً لمزيد من المكاسب على المدى القريب.
المحرّك الأساسي لشهية المخاطرة هو قرار الاحتياطي الفيدرالي المنتظر اليوم. إذ يتوقع المستثمرون على نطاق واسع أن يبدأ البنك المركزي دورة التيسير عبر خفض بمقدار 25 نقطة أساس، وفق أرقام CME FedWatch Tool، التي تُظهر أيضاً احتمالاً بنسبة 70% أن يصل إجمالي الخفض إلى 75 نقطة أساس قبل نهاية العام. هذا التفاؤل لا يدعم بتكوين فحسب، بل رفع أيضاً مؤشر ناسداك 100 إلى قمم تاريخية جديدة بالأمس، في إشارة إلى أن توقعات السيولة تغذي ارتفاع الأصول عالية المخاطر.
كما ستكون تحديثات "مخطط النقاط" وخطاب جيروم باول عاملاً حاسماً في تشكيل التوجيه المستقبلي، فيما يترقب المستثمرون ما إذا كان الفيدرالي سيفتح الباب أمام سلسلة من الخفض المتتالي أو سيبقى متحفظاً في ظل استمرار التضخم فوق الهدف.
الانقسامات الداخلية داخل الفيدرالي تضيف مزيداً من التعقيد. فبحسب محللين نقلت عنهم وول ستريت جورنال، يواجه باول ضغوطاً من محافظين عيّنهم ترامب يطالبون بخفض أعمق، في حين يتحفّظ مسؤولو الفروع الإقليمية على التيسير المفرط للسياسة النقدية. ومع اقتراب انتهاء ولاية باول في اب مايو، يُنظر إلى الاجتماع أيضاً باعتباره اختباراً لاستقلالية المؤسسة وتماسكها.
العوامل الجيوسياسية تعزز بدورها هذه الضبابية. إذ أفادت وول ستريت جورنال أن المفاوضين الأميركيين والصينيين في مدريد توصّلوا إلى اتفاق مبدئي بشأن مستقبل تيك توك، بما قد يجنبها الحظر في الولايات المتحدة. ينص الإطار على نقل الملكية إلى ائتلاف من المستثمرين، غير أن مسألة الخوارزمية الحساسة لا تزال عالقة. وتكشف مرونة بكين المفاجئة عن سعيها لضمان زيارة من ترامب، فيما تحاول في الوقت ذاته موازنة هذا الموقف عبر استهداف شركة إنفيديا الأميركية لتجنّب الظهور بمظهر الضعيف داخلياً.
إذا جرى تثبيت الاتفاق، فقد يخفف من التوترات التجارية ويدعم الأصول عالية المخاطر، لكن استمرار الخلافات حول الرسوم الجمركية والتجارة ومادة الفنتانيل يشير إلى أن المخاطر لا تزال كامنة في المشهد. بالنسبة للأسواق، فإن أي انفراج من شأنه أن يكمّل أثر السياسة النقدية الميسّرة ويعزز صعود الأصول، بينما قد يجعل الفشل الأسهم والعملات المشفّرة عرضة لتقلبات جديدة.
في الجانب المؤسسي، يبرز ضغط إضافي على الشركات المرتبطة بسردية العملات المشفّرة. فقد تراجع مضاعف قيمة صافي الأصول المخفف لأسهم شركة استراتيجي إلى 1.43، وهو الأدنى منذ شباط فبراير 2024. حيث يقوّض هذا التراجع التوقعات باستمرار علاوة سعرية مقارنة بحيازاتها من بتكوين، ما قد يضعف السردية الأوسع حول الشركات التي تقوم على نموذج أعمال اكتناز البيتكوين كوسيلة للتعرّض للعملات المشفّرة، وهذا يأتي على الرغم من أن البيتكوين تقع بالقرب من مستوياتها التاريخية العليا. وإذا استمرت هذه الديناميكية، فقد تحدّ من التدفقات المضاربية وتضع حداً لهذا الزخم، وهو ما قد يؤدي في النهاية إلى انهيار شامل في السوق قد تُضطر خلاله هذه الشركات إلى بيع حيازاتها.