رغم أن الاقتصاد العالمي أثبت مرونةً مفاجئة في مواجهة حرب الرسوم الجمركية التي شنها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، إلى جانب تحديات حادة أخرى، إلا أن التصدعات بدأت تظهر في الأساس.
تواجه الاقتصادات المتقدمة أعباء ديون متصاعدة، وسكاناً يتقدمون في العمر، وجموداً سياسياً، بينما تُظهر اقتصادات الأسواق الناشئة علامات إجهاد، رغم استفادتها جزئياً من ضعف الدولار الأميركي الذي خفف من الضغوط التمويلية.و هذا ما ادى الى اشتعال اسواق المعادن النفيسة حيث تخطت سعر اونصة الذهب ال4000 دولار ، وباتت اسواق النفط والغاز متقلبة ، والاسواق المالية العالمية والاقليمية تعيش في واقع غير مستقر ، ناهيك عن الانخفاض الحاد في سعر الدولار الاميركي امام العملات الرئيسية
والتوسع الاقتصادي الأميركي فقد زخمه مع تأثر النمو والتوظيف بسياسات الإدارة الاقتصادية المتقلبة، وإجراءات تنفيذ الهجرة الصارمة، وتقليص الإنفاق الاجتماعي.
ومع ان معدلات التضخم لاتزال تحت السيطرة حتى الآن، لكن ذلك سيتغير عندما تعجز الشركات عن امتصاص كلفة رسوم ترامب الجمركية وتضطر لتمريرها إلى المستهلكين.
امام هذه الاجواء الملبدة استضافت "مجلة 24 " رئيس جمعية مصارف مملكة البحرين الدكتور عدنان احمد يوسف وكان هذا الحوار :
الاسواق المالية
*تعيش الأسواق المالية الأوروبية حالة من القلق بسبب التوتر بين روسيا وجيرانها الأوروبيين، كيف ترون المشهد؟
- الأسواق الأوروبية تعيش مرحلة حساسة، تتأرجح فيها الثقة بين التوتر الجيوسياسي واستقرار الاقتصاد. التوترات بين روسيا ودول الجوار الأوروبي أعادت إلى الواجهة المخاطر التي تهدد الطاقة والتجارة، وهو ما ينعكس مباشرة على تحركات الأسهم والسندات.
تقدَّر قيمة الأصول الروسية المجمدة في أوروبا بما يتراوح بين 185 و260 مليار يورو، وهي أرقام ضخمة تثير قلقاً مشروعاً داخل الدوائر المالية الأوروبية. وفي كل مرة يتصاعد فيها التوتر، نرى ارتفاعاً في مؤشرات التقلب المالي، وزيادة الطلب على السندات الألمانية كملاذ آمن.
باختصار، أوروبا اليوم تعيش توتراً مالياً مستمراً مرتبطاً بالطاقة والعقوبات، مع هشاشة واضحة في ثقة المستثمرين.
جنون اسعار الذهب
*من يقف وراء القفزات الجنونية لأسعار الذهب؟ هل هي الفوائد المنخفضة أم نسب التضخم العالية؟
- الذهب اليوم يعكس تفاعل مجموعة عوامل وليس عاملاً واحداً. صحيح أن التضخم المرتفع يلعب دوراً مهماً، لكن المحرك الأكبر حالياً هو توقع انخفاض الفائدة الحقيقية والطلب المتزايد من البنوك المركزية حول العالم.
شهدنا الذهب يلامس حاجز 4,000 دولار للأونصة في أكتوبر 2025، وهو أعلى مستوى تاريخي له بزيادة تجاوزت 50% خلال عام واحد. هذا الصعود يعكس مزيجاً من المخاوف الجيوسياسية وتحوّط البنوك المركزية من ضعف الدولار.
بكلمات أخرى، الذهب أصبح «عملة الأمان العالمية» في زمن عدم اليقين، وليس مجرد تحوّط من التضخم.
التوقف الحكومي
*في حال طال أمد التوقف الحكومي في الولايات المتحدة، هل يمكن أن نشهد أزمة مالية عالمية؟
-إغلاق الحكومة الأمريكية لفترة قصيرة لا يشكل تهديداً كبيراً، لكن إذا استمر لأسابيع أو أشهر فقد يؤدي إلى صدمة اقتصادية عالمية.
تقديرات مراكز اقتصادية مثل Oxford Economics تشير إلى أن كل أسبوع من الإغلاق يقتطع نحو 0.2 نقطة مئوية من النمو الأمريكي، وإذا امتد لربع كامل فقد يخفض الناتج المحلي بأكثر من 2%. ، رغم ذلك، لا نتحدث عن أزمة مالية عالمية شبيهة بـ2008، فالنظام المصرفي الأمريكي يمتلك بعض المرونةً. لكن التوقف الطويل سيضعف ثقة الأسواق، ويؤثر على حركة الدولار، وربما يخلق اضطرابات في السيولة العالمي، وبالنهاية قد نشهد أزمة عالمية.
الاستثمارات الخليجية
*هل هناك مخاوف على الاستثمارات الخليجية في الولايات المتحدة وسط التوترات السياسية الداخلية هناك؟
- المخاوف قائمة ولكنها ليست من نوع المخاطر التي تهدد الأصول مباشرة. الولايات المتحدة ما زالت بيئة استثمارية آمنة نسبياً، ولا سجل لها في مصادرة أصول أجنبية.
إجمالي الاستثمارات الأجنبية في السوق الأمريكية يبلغ حوالي 5.7 تريليونات دولار، وتشكل الاستثمارات الخليجية جزءاً مؤثراً منها، خصوصاً عبر الصناديق السيادية.
التحدي الحقيقي ليس في المصادرة بل في التشريعات الجديدة وتشدد الرقابة الأمنية على الاستثمارات، خاصة في قطاعات التكنولوجيا والطاقة.
النصيحة للمستثمر الخليجي هي تنويع القطاعات والمناطق داخل السوق الأمريكية، ومتابعة التطورات التشريعية لحماية مصالحه.
تباين الاسواق
*ما أسباب التباين في أداء أسواق الأسهم الخليجية مؤخراً؟
-التباين طبيعي ومتوقّع، فكل سوق خليجية تحمل تركيبة مختلفة من القطاعات والسياسات.
العامل الأول هو أسعار النفط التي تؤثر بشكل مباشر في سيولة الأسواق، والعامل الثاني هو البرامج الاقتصادية والإصلاحات المحلية التي تختلف من دولة لأخرى.
فعلى سبيل المثال، السوق السعودية تتفاعل أكثر مع التحولات في قطاع الطاقة والمشاريع الكبرى، بينما تعتمد السوق الإماراتية على السياحة والعقار واللوجستيات، في حين يظل السوق الكويتي أكثر ارتباطاً بالقطاع المالي.
هذا التنوع يجعل من الصعب تعميم الاتجاه، لكنه في الوقت ذاته يمنح المستثمر الخليجي فرصاً لتوزيع المخاطر بشكل أذكى.
روسيا والعقوبات
*هل ستتأثر روسيا بالعقوبات الأمريكية والأوروبية الجديدة؟
-نعم، لكن التأثير ليس فورياً بل تراكمي وبطيء. روسيا نجحت نسبياً في التكيف عبر توسيع تجارتها مع الصين والهند، إلا أن العقوبات تظل تترك بصمتها العميقة على المدى الطويل.
تقديرات مؤسسات بحثية تشير إلى أن الاقتصاد الروسي خسر نحو 12% من ناتجه المحتمل بسبب العقوبات منذ 2022، إضافة إلى تجميد احتياطيات تزيد عن 250 مليار دولار في الخارج.
المشكلة الكبرى تكمن في فقدان التكنولوجيا الغربية وصعوبة الوصول إلى التمويل الدولي، ما سيؤثر تدريجياً على الصناعة الروسية ومستوى المعيشة.
الاستيلاء على الاصول الروسية
*كيف تنظرون إلى خطوة الاستيلاء على الأصول الروسية في أوروبا؟
-الاستيلاء على الأصول الروسية يمثل تحوّلاً غير مسبوق في النظام المالي الدولي. الحديث يدور حالياً عن أصول تتراوح قيمتها بين 185 و260 مليار يورو داخل أوروبا، وهناك مقترحات لاستخدامها في تمويل إعمار أوكرانيا.
من الناحية السياسية، هي رسالة حازمة لروسيا، لكن من الناحية القانونية والاقتصادية تثير تساؤلات كبيرة حول احترام الملكية السيادية وثقة المستثمرين الأجانب.
أي خطوة غير مدروسة قد تخلق سابقة خطيرة تهز ثقة رؤوس الأموال العالمية في الأسواق الأوروبية. لذلك من الضروري أن تتم أي عملية ضمن إطار قانوني واضح يضمن عدم الإضرار بالنظام المالي الدولي.