الفضة ترتفع وسظ تجدد التوترات التجارية والتوقعات بخفض الفائدة

 الفضة ترتفع وسظ تجدد التوترات التجارية والتوقعات بخفض الفائدة

واصلت الفضّة ارتفاعها يوم الإثنين مقتربةً مجدداً من أعلى مستوياتها التاريخية، إذ تتداول بالقرب من 52.3 دولاراً للأونصة في المعاملات الفورية.

ويأتي صعود المعدن الأخير بينما يسعى المستثمرون إلى الملاذ الآمن وسط تجدّد التقلبات في الصراع التجاري بين الولايات المتحدة والصين، وزيادة عمليات الشراء المسبقة نتيجة حالة عدم اليقين بشأن الرسوم المفروضة على المعادن، وارتفاع التوقعات بخفضٍ في أسعار الفائدة من جانب مجلس الاحتياطي الفيدرالي، إلى جانب تصاعد التوترات الجيوسياسية على  جبهات  متعددة. 
كل هذه العوامل أعادت إحياء الطلب على الأصول الآمنة في أسواق السلع. وفي الوقت ذاته، يوفّر الطلب الصناعي القوي طبقة إضافية من الدعم الأساسي التي تواصل تبرير الزخم الصعودي للفضّة.

يُغذّي اندفاع الفضّة مزيجٌ فريد من الضبابية والفرص. فبحسب صحيفة وول ستريت جورنال، أعادت الاضطرابات المتجددة في الرسوم الجمركية بين الولايات المتحدة والصين زعزعة الأسواق مجدداً، مسببةً تقلبات حادة في الأسهم والسلع على حد سواء.

وبعد خسائر مبكرة في المؤشرات الأميركية الأسبوع الماضي، شهدت الأسواق تعافياً جزئياً عقب إشارة رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، جيروم باول، إلى إمكانية إجراء المزيد من التخفيضات في أسعار الفائدة، مما دعم المعنويات وخفّف الضغوط وساهم في دفع أسعار المعادن النفسية.

وفي الأثناء، تُظهر أرقام CME FedWatch Tool أن احتمالات تنفيذ خفضٍ بمقدار 50 نقطة أساس قبل نهاية العام تجاوزت 94%، مرتفعةً بحدة من 79% قبل أسبوع، ما يعكس تزايد توقعات المتعاملين باتجاه السياسة النقدية نحو التيسير لمواجهة الرياح الاقتصادية المعاكسة.

وفي المقابل، لا يزال المشهد التجاري هشاً رغم الإشارات التصالحية المتقطعة. إذ أفادت وول ستريت جورنال أيضاً أن كلاً من واشنطن وبكين منخرطتان في لعبة توازن معقّدة، تُظهران فيها نوايا التهدئة علناً بينما تمضيان سراً في إجراءاتٍ انتقامية متبادلة.

حيث قد ألمح الرئيس ترامب إلى إمكانية تخفيف تهديده بفرض رسوم بنسبة 100% على السلع الصينية، لكنه لا يزال يدفع نحو اتخاذ تدابير صارمة في حال لم تتراجع الصين عن قيودها على صادرات المعادن النادرة.

هذا الغموض المستمر دفع المستثمرين إلى التحوّط مجدداً ضد الصدمات المحتملة، لتعود المعادن الثمينة وتبرز كملاذ مفضّل.

وفي خضم هذه الأجواء المتقلبة، حظيت الفضّة بدعم إضافي من الطلب الأساسي. إذ أشارت وول ستريت جورنال في تقرير آخر إلى أن المخاوف من فرض رسوم على المعادن الصناعية قد دفعت إلى موجة تخزين واسعة في المستودعات حول العالم، مما أدّى إلى تضييق الإمدادات على المدى القصير.

وأوضح شري كارغوتكار، مدير المحافظ الأول في شركة Sprott Asset Management، أن كميات المعادن المستخرجة والمعاد تدويرها باتت أقل من مستويات الاستهلاك، واصفاً الوضع بأنه “حالة واضحة من اختلال ميزان العرض والطلب”.

كما أن اقتراح هيئة المسح الجيولوجي الأمريكية بإضافة الفضّة إلى قائمة المعادن الحرجة، وهي خطوة من شأنها تصنيفها كعنصر استراتيجي أساسي، قد شجّع على موجة مضاربةٍ جديدة، حيث يسعى المتداولون إلى استباق الاضطرابات المحتملة في سلاسل التوريد.

إلى جانب جاذبيتها النقدية، يتزايد الدور الصناعي للفضّة أهميةً. فقد ذكرت شركة أبحاث السوق Rho Motion أن مبيعات السيارات الكهربائية بالكامل والهجينة القابلة للشحن عالمياً بلغت رقماً قياسياً بلغ 2.1 مليون وحدة في شهر ايلول سبتمبر، بزيادة قدرها 26% على أساس سنوي، مع استحواذ الصين على ما يقارب ثلثي الإجمالي.

وقد عزّز هذا النمو أهمية الفضّة، نظراً لاستخدامها الواسع في مكوّنات السيارات الكهربائية، بما في ذلك البطاريات والدوائر عالية الكفاءة. ومع ذلك، تواجه الصناعة تحدياتٍ مقبلة، إذ أشارت وول ستريت جورنال إلى أن حكومات الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي بدأت في تقليص أهدافها الطموحة لانتشار السيارات الكهربائية في ظل الخسائر المتزايدة لشركات صناعة السيارات ومحدودية البنية التحتية.

وقد يؤدي هذا التحوّل إلى إبطاء وتيرة الطلب الصناعي على المدى الطويل، حتى وإن ظلّ الاستهلاك قصير الأجل مرتفعاً.

وفي موازاة ذلك، تتزايد المخاطر الجيوسياسية التي تعزز مجدداً جاذبية الفضّة كملاذ آمن. فقد أفادت فايننشال تايمز في وقتٍ سابق بأن واشنطن تدرس تزويد أوكرانيا بصواريخ توماهوك بعيدة المدى، في خطوة من شأنها أن تمثل تصعيداً كبيراً في المواجهة مع موسكو وقد تهدد البنية التحتية للطاقة في أنحاء روسيا.

وفي الوقت نفسه، تتصاعد التوترات في الشرق الأوسط، حيث عادت المخاوف من مواجهةٍ محتملة بين إيران وإسرائيل إلى الواجهة.
وإضافةً إلى هذا القلق العالمي، بدأت الولايات المتحدة أكبر حشدٍ عسكري لها في منطقة الكاريبي منذ أكثر من ثلاثة عقود، حيث نشرت أسلحة متقدمة ونحو 10,000 جندي. ويرى بعض المحللين أن هذه الخطوة قد تُعدّ استعداداًلعملياتٍ محتملة ضد نظام الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، غير أن تنفيذ ذلك سيتطلب حشداً أكبر بكثير.