ترامب وشي… لقاء على صفيح ساخن في كوريا الجنوبية

ترامب وشي…  لقاء على صفيح  ساخن في كوريا الجنوبية

يلتقي الرئيس الأميركي دونالد ترامب نظيره الصيني شي جينبينغ في كوريا الجنوبية في أواخر هذا الشهر  على هامش قمة منتدى التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ. اللقاء يأتي في لحظة دقيقة من العلاقات بين القوتين، حيث تصاعد التوتر التجاري والسياسي خلال الأشهر الأخيرة، لكن ترامب، كما يبدو، يدخل هذا الاجتماع من موقع القوة، مدفوعاً برغبة واضحة في إعادة ضبط موازين العلاقة بما يخدم المصالح الأميركية أولاً.

منذ عودته إلى البيت الأبيض، أعاد ترامب إطلاق معركته الاقتصادية مع بكين، مؤكداً أن الولايات المتحدة لن تسمح بعد اليوم بأن تستغلها الصين تجارياً كما حدث في العقود الماضية. الرسوم الجديدة التي فرضتها إدارته على السلع الصينية ليست مجرد عقوبة، بل رسالة سياسية مفادها أن زمن “الاستسلام الاقتصادي” انتهى. وفي المقابل، سعت الصين إلى الرد عبر تقييد صادراتها من المعادن النادرة، لكنها بذلك كشفت مدى اعتماد الصناعات الأميركية والعالمية على سلاسل توريدٍ تتحكم بها بكين، وهو ما يمنح واشنطن ورقة ضغط إضافية لإعادة التوازن.

ترامب يرى أن أي مفاوضات مع الصين يجب ألا تقتصر على التجارة فحسب، بل تشمل الملفات الكبرى التي تمس الأمن العالمي. لذلك أعلن أنه سيحث الرئيس شي على وقف شراء النفط الروسي، لأن تمويل موسكو، برأيه، يطيل أمد الحرب في أوكرانيا. وفي هذا الجانب، يعتقد ترامب أن بكين تملك مفاتيح مهمة يمكن أن تُسهم في إقناع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالجلوس إلى طاولة تسوية، وهو ما يتيح لواشنطن أن تستعيد زمام المبادرة الدبلوماسية التي فقدتها إدارة بايدن السابقة.

أما في ملف تايوان، الذي يشكل مصدر التوتر الدائم بين البلدين، فيبدو أن ترامب سيسعى إلى توجيه رسالة مزدوجة: دعم واضح لحرية تايوان واستقلالها الفعلي، مع تأكيد أن واشنطن لا تريد حرباً في بحر الصين الجنوبي. إنه توازن دقيق بين الحزم والبراغماتية، هدفه طمأنة الحلفاء في آسيا من دون استفزاز مباشر قد يدفع الصين إلى ردٍّ عسكري غير محسوب.

الملف النووي بدوره سيكون حاضراً، إذ يطمح الرئيس ترامب إلى إدخال الصين في معادلة جديدة للحد من التسلح، بعد أن كانت الاتفاقات السابقة محصورة بروسيا والولايات المتحدة. وهو يرى أن بكين لا يمكن أن تظل خارج أي نظام أمني دولي وهي تمتلك ترسانة نووية متنامية وطموحات عالمية تتجاوز حدودها الإقليمية. من هنا، يسعى إلى ما يسميه “صفقة كبرى” تشمل التجارة والطاقة والنووي، وربما الزراعة أيضاً، إذ لمح إلى اتفاق محتمل على تصدير منتجات أميركية كفول الصويا إلى السوق الصينية.

اللافت أن ترامب يتحدث بثقة عن إمكانية التوصل إلى “اتفاق على كل شيء”، وهو ما ينسجم مع أسلوبه التفاوضي القائم على الجرأة والمفاجأة. لكنه يدرك في الوقت نفسه أن النجاح لا يُقاس بالتصريحات، بل بالنتائج الملموسة التي تعزز مكانة الولايات المتحدة وتعيد رسم ميزان القوة في العالم. لذلك، حتى لو لم يخرج اللقاء باتفاق شامل، يكفيه أن يثبت مرة جديدة أن واشنطن تحت قيادته هي من تضع الشروط وتحدد الإيقاع.

الاجتماع بين ترامب وشي في كوريا الجنوبية لن يكون مجرد حدث بروتوكولي، بل اختبار لقدرة الرجل الذي عاد من جديد إلى الحكم بشعار “أميركا أولاً” على فرض رؤيته في مواجهة أكبر خصومها الاقتصاديين. وبينما يترقب العالم ما إذا كان هذا اللقاء سيفتح الباب لتفاهمات جديدة أو لمواجهة أوسع، يظل المؤكد أن ترامب يدخل القمة وفي جعبته ما يكفي من أوراق القوة ليعيد تعريف العلاقة الأميركية الصينية بشروطه هو، لا بشروط بكين.