لماذا يلمّع ترامب صورة الرئيس السوري ؟ خلفيات زيارة أحمد الشرع إلى واشنطن

لماذا يلمّع ترامب صورة الرئيس السوري ؟  خلفيات زيارة أحمد الشرع إلى واشنطن

شهدت العاصمة الأميركية واشنطن مشهداً غير مألوف مع وصول الرئيس السوري أحمد الشرع إلى البيت الأبيض من ممر جانبي بعيداً  عن عدسات الإعلام، في خطوة كسرت البروتوكول التقليدي لاستقبال رؤساء الدول. 

الزيارة جرت بسرية تامة ومن دون أي مراسم رسمية، الأمر الذي منحها طابعاً استثنائياً، خصوصاً مع تأكيد مصادر في الإدارة الأميركية أن اللقاء بين الشرع والرئيس الأميركي دونالد ترامب انطلق خلف الأبواب المغلقة منذ اللحظات الأولى لوصول الوفد السوري.

وشغل مشهد رش دونالد ترامب عطره الجديد على الرئيس السوري احمد الشرع ووزير خارجيته اسعد الشيباني منصات التواصل حيث تم تداوله بشكل كبير ولاقى استحسانا من جهة مؤيدي الشرع واستهجاناً من معارضيه. رش العطر لم يكن حركة عفوية من ترامب بل انه قصد ذلك في دلالة على انه قادر على تلميع صورة الشرع وإعادة تقديمه كشخصية دولية   أكثر قبولاً لدى الرأي العام وصنّاع القرار.. هذا السلوك الغير عادي من رئيس لا يشبه اي رجل سياسي آخر هو  يسعى إلى خلق انطباع جديد حول احمد الشرع ، باعتباره شريكاً اساسياً محتملاً في ملفات أمنية حساسة تتصدر أولويات واشنطن، بدءاً من مكافحة الجماعات المتطرفة ووصولاً إلى التفاهمات الإقليمية المعقّدة.

الشرع، الذي صعد إلى السلطة أواخر العام الماضي، يدخل البيت الأبيض في توقيت يحمل رسالة سياسية واضحة: الولايات المتحدة تبحث عن مقاربة جديدة في الشرق الأوسط بعد سنوات من الاضطراب، والشرع يمثل بالنسبة إليها فرصة لإعادة صياغة العلاقة مع دمشق بطريقة أكثر براغماتية. أما “العطر” الذي يستخدمه ترامب مجازياً، فهو محاولة لإعادة تسويق الرئيس السوري كشخص قادر على الالتزام بتفاهمات قد تكون حسّاسة ومتعددة المستويات.

بحسب المسؤولين الأميركيين، انصبّ النقاش بين ترامب والشرع على ملفات تتراوح بين ترتيبات أمنية على الأرض السورية، ومفاوضات غير معلنة بين دمشق وتل أبيب برعاية واشنطن، إضافة إلى مستقبل الوجود العسكري الأميركي في قاعدة قرب العاصمة السورية. هذه النقاط لا تُناقش عادة في لقاءات بروتوكولية، بل في لقاءات تُبنى عليها تفاهمات طويلة المدى تحتاج إلى غطاء سياسي وتجميل إعلامي يخفّف وقعها على الأطراف المختلفة.

من جانب آخر، تسعى واشنطن إلى مقاربة جديدة لمواجهة التنظيمات المتطرفة في سوريا ولبنان، مع بحث أدوات غير تقليدية للتعامل مع النفوذ الإيراني وملف حزب الله من دون إشعال حرب شاملة قد تمتد إلى الداخل اللبناني أو الجبهة الإسرائيلية. هنا تحديداً تظهر أهمية الشرع بالنسبة للإدارة الأميركية: شخصية قد تكون قادرة على التحرك ضمن توازنات دقيقة، من داخل النظام السوري ولكن بقدرة أكبر على التواصل مع المجتمع الدولي.

ترامب، من جهته، يريد تحقيق إنجاز خارجي سريع يعزّز صورته الداخلية، وهو معروف بعشقه للصفقات غير المتوقعة. أما الشرع فيسعى إلى تثبيت شرعيته الدولية وتوسيع هامش حركته السياسية. اللقاء يخدم الطرفين بوضوح: واشنطن بحاجة إلى شريك قابل للتفاوض، ودمشق بحاجة إلى اختراق دبلوماسي يخرجها من العزلة تدريجياً، وإسرائيل تريد ترتيبات طويلة الأمد تضمن استقرار حدودها الشمالية.

في هذا السياق، يصبح “رشّ العطر” استعارة دقيقة لما يجري: ليس محاولة لتغيير الحقيقة، بل لتغليفها بشكل يجعلها مقبولة. فالتفاهمات الكبرى لا تبدأ بالتصريحات، بل بالإشارات. وما يحدث اليوم يبدو أنه بداية مرحلة جديدة تُدار بهدوء، بعيداً عن الأضواء، وقد تعيد رسم جزء كبير من مشهد الشرق الأوسط في السنوات المقبلة