د يوسف :انتهاء الحرب الاوكرانية لها انعكاسات ايجابية على الاقتصاد

د يوسف :انتهاء الحرب الاوكرانية لها انعكاسات ايجابية على الاقتصاد

ايام معدودة ونودع عام 2025، العام الذي شهد سلسلة من الأحداث الاقتصادية والجيوسياسية التي غيرت شكل العالم.

فقد حمل هذا العام تحولات كبيرة أثرت في شكل التحالفات وفي نماذج التمويل والتجارة وفي خريطة النفوذ الاقتصادي، وفتح الباب أمام مرحلة مختلفة يختلط فيها البعد الاقتصادي بالجيوسياسي بشكل أوضح من أي وقت مضى.

وقد كان لعودة الرئيس الأميركي دونالد ترامب دور بارز في زيادة حدة هذه التقلبات، سواء عبر السياسات التجارية أو عبر التغيرات في النهج الإستراتيجي للولايات المتحدة، الأمر الذي مهّد لتحولات ما زالت تتفاعل حتى الآن وقد تستمر في تشكيل مسار عام 2026.

اليوم يترقب العالم المفاوضات الجارية لانهاء الحرب الاوكرانية وينظر الى نتائج خفض الفائدة الاميركية وتأثيرتها على الاقتصاد العالمي ويتخوف العالم من تطور الصراع بين الولايات المتحدة وفنزويلا .

في ظل هذه الاوضاع استضافت "مجلة24 " رئيس جمعية المصارف في مملكة البحرين الدكتور عدنان يوسف وكان معه هذا الحوار . 

الحرب الاوكرانية 

*في حال نجحت المفاوضات الجارية لوقف الحرب الأوكرانية الروسية ما هي الانعكاسات على الصعيد الاقتصادي العالمي وعلى قطاع النفط بالتحديد؟

 -نجاح المفاوضات بين روسيا وأوكرانيا لوقف الحرب ستكون له انعكاسات واسعة على الاقتصاد العالمي، خصوصًا على أوروبا وقطاع الطاقة. فالحرب تسببت منذ 2022 في زيادة أسعار الطاقة وتعطل سلاسل الإمداد وارتفاع مستويات عدم اليقين الجيوسياسي. وقف الحرب سيؤدي مباشرة إلى تراجع “علاوة المخاطر” التي تفرضها الأسواق على أسعار النفط والغاز، ما قد يدفع الأسعار للانخفاض أو للاستقرار عند مستويات أدنى، خاصة في ظل توقعات وكالة الطاقة الدولية (IEA) بأن المعروض العالمي سيستمر في النمو خلال 2025–2026 بفعل زيادة إنتاج الولايات المتحدة والبرازيل وكندا.

اقتصاد أوكرانيا تحديدًا سيستفيد بشكل كبير؛ إذ تشير تقديرات بنك الإعمار الأوروبي (EBRD) إلى إمكانية نمو الاقتصاد بنحو 5% خلال العام الأول من السلام نتيجة استئناف الإعمار وعودة النشاط الاقتصادي. أما أوروبا، التي عانت من الأزمة الطاقوية وارتفاع التضخم، فستستفيد من خفض تكلفة استيراد الطاقة وتحسن آفاق الاستثمار، مما ينعكس على الاستهلاك والصناعة.

على مستوى الأسواق المالية العالمية، سيشهد المستثمرون تراجعًا في القلق الجيوسياسي، مما يدفع السيولة نحو الأسواق الأوروبية وأسهم الشركات الصناعية والطاقة البديلة. كما قد تتراجع أسعار الغاز في أوروبا، ما يعيد بعض القدرة التنافسية للصناعات الثقيلة.

بالنسبة لأسعار النفط، فإن انتهاء الحرب يزيل جزءًا مهمًا من علاوة المخاطر التي رفعت الأسعار خلال العامين الماضيين. ومع زيادة المعروض المتوقع، فإن الاتجاه المرجح هو ضغط هبوطي معتدل على أسعار خام برنت، خاصة أن الأسعار كانت تدور مؤخرًا حول 60–65 دولارًا، ومعهد الطاقة الدولي يتوقع استمرار وفرة الإمدادات.

باختصار: وقف الحرب يعني تعافيًا اقتصاديًا أوروبيًا تدريجيًا، تحسن ثقة الأسواق، وزخمًا نحو انخفاض أو استقرار أسعار النفط بدعم من زيادة المعروض العالمي.

خفض الفائدة

*يبدو أن قرار خفض الفائدة الأميركية أكثر من مرة يسير بسرعة بعد إصرار الرئيس الأميركي على إنهاء ولاية حاكم الفيدرالي ما هو وضع الدولار وهل بحلق سعر الذهب أكثر؟

 -تسارع التوقعات بخفض الفائدة الأميركية أكثر من مرة نتيجة الضغوط السياسية على الاحتياطي الفيدرالي ينعكس مباشرة على الدولار والذهب. ويوم أمس قام الاحتياطي الفيدرالي بالإعلان عن خفض بنسبة ربع بالمائة في سعر الفائدة، وهذا يجعل الدولار أقل جاذبية للمستثمرين الدوليين بسبب انخفاض العوائد على الأصول الدولارية، مما يؤدي غالبًا إلى ضعف نسبي في قيمة الدولار أمام العملات الرئيسية. بالفعل، كان مؤشر الدولار (DXY) يتحرك مؤخرًا قرب مستوى 99، وهو أدنى من متوسطه خلال السنوات الثلاث الماضية، مما يعكس توقعات التيسير النقدي.

ضعف الدولار يرفع جاذبية الذهب، لأن الذهب يُسعَّر بالدولار عالميًا، ومع انخفاض العملة الأميركية يصبح شراؤه أرخص لحاملي العملات الأخرى. إضافة إلى ذلك، فإن الذهب يُعتبر أصلًا يحافظ على القيمة في فترات عدم اليقين المالي والسياسي. ومع توقعات استمرار خفض الفائدة في 2026، استمر الذهب في موجة صعود قوية، ووصل إلى مستويات تاريخية تقارب 4200 دولار للأوقية، مدعومًا أيضًا بتباطؤ الاقتصاد العالمي وازدياد الطلب على الملاذات الآمنة.

العامل الآخر المهم هو توقعات التضخم. فإذا تباطأ التضخم الأميركي تدريجيًا مع خفض الفائدة، فسيكون ذلك داعمًا لمزيد من التحرك السلبي للدولار، بينما إذا ارتفع التضخم مجددًا فقد يجبر الفيدرالي على تباطؤ وتيرة الخفض. لكن الاتجاه العام الحالي يميل إلى بقاء السياسة النقدية فضفاضة نسبيًا.

على المدى المتوسط، يمكن القول إن الدولار سيظل تحت ضغط طالما بقيت السوق تتوقع خفضًا إضافيًا للفائدة، بينما سيظل الذهب مستفيدًا من استمرار هذا النهج. ومع ذلك، فإن أي تغير مفاجئ في توقعات النمو الأميركي أو في مستوى التضخم قد يغير الاتجاه مؤقتًا، لكن الاتجاه الأشمل يبقى نحو دولار أضعف وذهب أقوى خلال الشهور المقبلة.

اسواق الخليج

*لمعروف أن اسواق المال الخليجية تتأثر بشكل كبير مع الأوضاع المالية الأميركية هل ستتأثر هذه الأسواق بعد خفض الفائدة الأميركية؟

-ترتبط أسواق المال الخليجية بشكل وثيق بالاقتصاد الأميركي وبسياسات الفيدرالي، وذلك لأن معظم عملات دول الخليج مرتبطة بالدولار، مثل الريال السعودي والدرهم الإماراتي والدينار البحريني والريال القطري. هذا الارتباط يعني أن البنوك المركزية الخليجية تضطر في أغلب الأحيان إلى محاكاة قرارات الفيدرالي للحفاظ على استقرار سعر الصرف. لذلك، عندما يخفض الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الفائدة، فإن البنوك المركزية الخليجية عادةً تخفض الفائدة بنفس المقدار أو بقربه.

هذا الخفض في الفائدة له أثر مباشر على أسواق الأسهم الخليجية. فعلى المستوى الإيجابي، انخفاض الفائدة يقلل تكلفة الاقتراض على الشركات، ويزيد شهية المستثمرين نحو الأصول عالية المخاطر مثل الأسهم، لأن العوائد على الودائع والسندات تنخفض. ولهذا، غالبًا ما تشهد أسواق مثل السعودية والإمارات وقطر موجة تفاؤل بعد قرارات خفض الفائدة الأميركية. وقد ظهرت إشارات على ذلك بالفعل، حيث سجلت مؤشرات البورصات الخليجية تحسنًا قبل اجتماعات الفيدرالي الأخيرة مع ارتفاع توقعات الخفض.

كما يستفيد قطاع العقار بشكل واضح من خفض الفائدة، إذ تنخفض تكلفة التمويل العقاري، ما يؤدي إلى نشاط أكبر في البيع والشراء. قطاع البنوك قد يتأثر بشكل مزدوج: فهو يستفيد من نشاط الائتمان، لكنه قد يواجه ضغوطًا على هامش الربحية بسبب انخفاض سعر الفائدة الأساسي، وإن كان ذلك يعوض جزئيًا بسبب زيادة الطلب على القروض.

أما الجانب السلبي المحتمل، فيتمثل في احتمال ارتفاع التضخم بسبب تراجع قيمة الدولار مقابل العملات الأخرى، مما يجعل الواردات غير الدولارية أعلى تكلفة. ومع ذلك، فإن اقتصادات الخليج تتمتع بقوة مالية واحتياطيات كبيرة تمكنها من امتصاص هذه الآثار.

الخلاصة: أسواق المال الخليجية غالبًا ستستفيد من خفض الفائدة عبر زيادة السيولة وتحسن معنويات المستثمرين، مع بعض الضغوط التضخمية المحتملة.

الحرب الاميركية الفنزويلية

*هناك تخوف من اندلاع الحرب بين الولايات المتحدة وفنزويلا أحد أكبر البلدان لإنتاج النفط من هي الدول التي ستتأثر في حال توقفت صادرات النفط الفنزويلية؟

-فنزويلا تمتلك أحد أكبر احتياطيات النفط في العالم، لكنها اليوم تُصدّر بين 0.8 و1.1 مليون برميل يوميًا فقط بسبب العقوبات وانخفاض الاستثمار. وعلى الرغم من أن هذه الكمية لا تمثل سوى أقل من 1% من إجمالي الإنتاج العالمي الذي يتجاوز 106 ملايين برميل يوميًا، فإن توقفها الكامل قد يسبب تأثيرات مهمة على عدد من الدول التي تعتمد على الخام الفنزويلي.

أكبر المتضررين ستكون الصين، التي تشتري ما بين 60% و80% من صادرات فنزويلا، غالبًا بأسعار مخصومة وباتفاقيات ديون. أي توقف مفاجئ سيجبر الصين على التحول لخام بديل من روسيا أو الشرق الأوسط، مما يرفع تكاليف التكرير لديها، خصوصًا أن الخام الفنزويلي كثيف وثقيل وله خصائص تحتاجها بعض المصافي الصينية.

الدولة الثانية المتضررة هي الهند، التي تستورد كميات أقل لكن منتظمة، وتعتمد عليها بعض مصافيها لمزيج معين من الخامات. كذلك ستتأثر كوبا ودول الكاريبي، إذ تعتمد على فنزويلا لإمدادات بأسعار مدعومة أو بتسهيلات ائتمانية.

في الولايات المتحدة، التأثير محدود نسبيًا. فالشحنات التي تسمح بها واشنطن لشركات مثل “شيفرون” بلغت نحو 150 ألف برميل يوميًا فقط، وهو رقم يسهل تعويضه عبر خام الساحل الأميركي أو الواردات من كندا.

أما على مستوى الأسعار العالمية، فمن المرجح أن يؤدي توقف الإمدادات الفنزويلية إلى ارتفاع عنيف قصير المدى في الأسعار بسبب عنصر المفاجأة، لكنه لن يستمر طويلًا، لأن دولًا مثل السعودية والإمارات، بالإضافة إلى الولايات المتحدة، تمتلك قدرات إنتاجية يمكن زيادتها لتعويض النقص جزئيًا. كما أن مخزونات OECD قادرة على امتصاص الصدمة في الأشهر الأولى.

الخلاصة: الصين والهند وكوبا الأكثر تضررًا، والعالم قادر على استيعاب الصدمة، لكن الأسعار قد تشهد قفزة مؤقتة.