في تصعيد غير مسبوق، وجّهت إسرائيل ضربة عسكرية مفاجئة إلى أهداف إيرانية استراتيجية، في خطوة وُصفت بأنها تتجاوز الردود التقليدية نحو معركة متعددة الجبهات والمستويات. وبينما تترقب العواصم العالمية تداعيات هذه المواجهة، يتسارع الانزلاق نحو أزمة قد تتجاوز البعد العسكري لتُهدد أسس الاقتصاد العالمي، وتعيد ترتيب التحالفات الدولية ومصالح الطاقة.
وكالة “مهر” الإيرانية كشفت أن طهران أبلغت واشنطن، وباريس، ولندن، أنها ستستهدف منشآت تابعة لها في الشرق الأوسط في حال تقديم أي دعم عسكري لإسرائيل. هذا التهديد يفتح الباب أمام عدة سيناريوهات معقدة:
هل ستقتصر المواجهة على إيران؟ أم أن الحلفاء الإقليميين لطهران – كحزب الله، الفصائل العراقية، والحوثيين – سيتدخلون لتوسيع نطاق الحرب، ما يعني تهديدًا مباشرًا لإمدادات الطاقة في الخليج واليمن وشرق المتوسط؟
ماذا عن موقف روسيا؟ هل ستسمح لموسكو باستخدام منظومات الدفاع الجوي S-300 التي سلمتها لإيران سابقًا، رغم تعارض ذلك مع محاولاتها بناء علاقة استراتيجية مع إدارة ترامب؟
وهل تستطيع إيران الصمود في حال تدخل حلف شمال الأطلسي؟ خصوصًا إذا طالت الحرب بدون غطاء روسي–صيني واضح، فهل تجد بكين وموسكو مصلحة في إطالة الحرب أم توريط الغرب فيها؟
وفي حال تعرضت إسرائيل لقصف واسع النطاق، هل تقدم على تصعيد نوعي بمحاولة اغتيال المرشد الأعلى علي خامنئي؟ مع ما يحمله ذلك من تداعيات دينية وعقائدية خطيرة في المنطقة؟
وأخيرًا، هل طلب إسرائيل المحتمل دعمًا من “الناتو” يكشف عجزها عن خوض الحرب منفردة؟ خصوصًا بعد سنوات من خطاب التفوق والقدرة على حسم المعارك دون دعم مباشر.
الضربات المتبادلة تزامنت مع تقارير استخبارية وتسريبات عن اختراقات إيرانية لأنظمة إسرائيلية، وأخرى عن استمرار طهران في تخصيب اليورانيوم، ما أعاد إشعال مخاوف الأسواق العالمية.
في غضون ساعات، قفز سعر برميل النفط الخام فوق 95 دولارًا، وارتفعت كلفة التأمين على ناقلات النفط في الخليج بنسبة 30%. كما تراجعت مؤشرات أسواق المال في لندن وطوكيو وفرانكفورت، وسط موجة بيع هائلة تحوّلت إلى هروب جماعي نحو الذهب والدولار والسندات الأميركية.
شركات الشحن أوقفت مرورها عبر مضيق هرمز وأعادت توجيه المسارات، ما أدى إلى ارتفاع تكاليف النقل وتأخر سلاسل التوريد. شركات النفط الكبرى بدأت بتعديل استراتيجياتها تحسبًا لتوقف التصدير الإيراني، أو تعرض منشآت خليجية للهجمات. صناديق التحوط خفّضت توقعاتها للنمو في الربع الثالث، ورفعت رهاناتها على عقود الطاقة الآجلة.
الدول الهشّة اقتصاديًا مثل لبنان، العراق، وسوريا، تبدو أولى ضحايا التمدد العسكري. فهي تعتمد على تدفقات الطاقة والتجارة والمساعدات من الخليج. أي اضطراب طويل قد يعيد هذه الدول إلى مسارات الانهيار، بعد سنوات من الأزمات المتراكمة.
في أوروبا، لا تزال آثار الحرب في أوكرانيا تلقي بظلالها على أمن الطاقة. وإذا تعطلت الإمدادات من الخليج، فإن القارة ستواجه موجة تضخمية جديدة، تعيد شبح “الركود التضخمي” إلى الواجهة. وهنا، ستجد البنوك المركزية نفسها أمام معضلة: رفع الفائدة للسيطرة على الأسعار، أم خفضها لإنقاذ النمو؟
إسرائيل تبدو كمن اختار توقيت الضربة بعناية. فهي جاءت قبل مؤتمر دولي كان من المفترض أن يطلق مبادرة سلام إقليمي بقيادة فرنسية–سعودية. الرسالة قد تكون مزدوجة: تحجيم إيران، وتفجير المسار السياسي.
الولايات المتحدة تجد نفسها في مأزق مزدوج: فهي حليفة لإسرائيل، لكنها لا ترغب في انفجار إقليمي يؤدي إلى انهيار الأسواق، خصوصًا في موسم انتخابي حساس. أما روسيا والصين، فهما تتابعان بحذر: فخسارة إيران لصالح الأطلسي تعني تراجعًا في نفوذهما الجيوسياسي، وهذا قد يدفعهما إلى دعم غير مباشر يطيل أمد الحرب.
قد تحقق إسرائيل مكاسب عسكرية، لكن السؤال الأكبر يبقى اقتصاديًا: هل يمكن لأي طرف أن يتحمّل تكلفة حرب كبرى في منطقة تشكل شريان الطاقة العالمي؟ وإذا طال أمد الحرب، فإن الخسائر لن تبقى محصورة في طهران أو تل أبيب، بل ستصل إلى العامل في بيروت، والمستثمر في سيول، والمستهلك في باريس.
إنها حرب تتجاوز السلاح… وتكلفة لا يملك العالم ترف دفعها.