لبنان ... الدولة العصرية ومبدأ فصل السلطات

img

اتفق اللبنانيون بمختلف طوائفهم مع انتهاء الاستعمار الفرنسي عام 1943، على إعلان إستقلال لبنان ووفق ما يطلق عليه "الميثاق الوطني" الذي نظم أسس الحكم في لبنان.

لعب بشارة الخوري أول رئيس للجمهورية اللبنانية ورياض الصلح أول رئيس حكومة لبنانية تشكلت بعد استقلال البلاد عن فرنسا عام 1943، دورا مهما في الوصول إلى هذا الاتفاق غير المكتوب .

وعن مضمونه، قال بشارة الخوري "وما الميثاق الوطني سوى اتفاق العنصرين اللذين يتألف منهما الوطن اللبناني على انصهار نزعاتهما في عقيدة واحدة: استقلال لبنان التام الناجز من دون الالتجاء إلى حماية من الغرب، ولا إلى وحدة أو اتحاد مع الشرق .

وبموجب ذلك، توافق اللبنانيون بشكل عرفي على توزيع السلطة بحيث ينال المسيحيون الموارنة رئاسة الجمهورية، ويحصل المسلمون الشيعة على رئاسة البرلمان، والمسلمون السنة على رئاسة الوزراء، وينتخب النواب رئيس الجمهورية .

وفي متن الدستور الذي أعلن عند إستقلال لبنان إتفق اللبنانيون على مبادئ أساسية ذكرت صراحةً بموجب مواد ونصوص لا تقبل الريبة وهي :

تنصّ مُقدّمة الدستور اللبناني في الفقرة – ج – : إنّ لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية، تقوم على احترام الحرّيات العامّة .

وجاء في الفقرة – ه –: إنّ النّظام قائم على مبدأ فصل السلطات وتوازيها وتعاونها.

مع تطور النظام العالمي ومع الإنفتاح الحاصل بين الدول وشعوب العالم قاطبةً تعاظُم دور الدولة في الحياة العصرية وأصبح مؤشر تطور الدول والمجتمعات مرتبط بكيفية ممارسة الدولة لدورها والذي من المفترض أن يكون متوازناً وعادلاً وحامياً لكل مقومات نهضة المجتمع في ظل نظام الحرية والعدالة .

لكن سوء الحكام والمسيطرين على الحكم في الدول النامية لبنان وفقاً للأطماع الشخصية والممارسات الطائفية والزبائنية قد أضرت كثيراً بالممارسة الديمقراطية وبنهج الحكم المعتمد في الدولة اللبنانية، في وقت إن نهج الحكم في الدولة العصرية يُلزِم الفئة الحاكمة بمُمارسة العدالة في أدائها. ولعلّ أبرز وجوه العدالة في ممارسة الحكم هو الاحترام الإلزامي لمبدأ فصل السلطات، وعدم الخلط بين المهام. أما نزاهة الحاكم، أو عدالته فليستا ضمانة لعدم ممارسة الطغيان، نظراً لتوسُّع أجهزة الدولة وتنوّعها، وتمدُّد صلاحيّاتها أُفقياً وعمودياً، بحيث يستحيل مع هذا الانفلاش الضروري تحقيق رقابة شخصية من الحاكم بشكلٍ مباشر (رئيس الجمهورية الذي يعتبر حارساً على تطبيق الدستور وحكماً بين السلطات) ، ذلك أنّ هذه الوظيفة أكبر من الطّاقة الفردية للأشخاص، ولا بدّ من وجود مؤسّسات مُتخصِّصة تقوم بهذه المُهمّة .

أما في لبنان فالمؤسّسات التي يجب أن تضطلع بمهام الدولة من جوانبها المُتعدّدة، لا بدّ أن تتمتّع بالإستقلالية التي تحميها القوانين وهي بالحد الأدنى سلطة رئيس الجمهورية، سلطة الحكومة ، سلطة المجلس النيابي، وسلطة القضاء .

تزخرُ التجربة اللبنانية بالكثير من الحرّيات والقليل من الديمقراطية على حدّ تعبير رئيس الوزراء الأسبق الراحل د. سليم الحصّ. وتكاد الحرّيات المُتفلِّتة أن تصل إلى حدود غير مقبولة، بحيث يمكن لمسؤول في أيّ موقعٍ كان أن يمارس أداءه الوظيفي وفقاً لأهوائه الشخصية، وبحرّية تامّة، مُستنِداً إلى تداخلات فيها عوامل مُتعدِّدة، منها مدى قربه من إحدى المرجعيّات، أو إلتزامه بأحد الأحزاب المتسلطة أو قدرته على تطويع، أو محاباة، أجهزة الرقابة. ويمكن لأيّ شخص في موقع مُتقدّم أن يتدخَّل في شأنٍ ليس من صلاحيّاته، لأنّه لا يخاف من المحاسبة، أو لأنّ الحدود التي تفصل بين صلاحيات هذه المؤسّسة العامّة أو تلك غير واضحة المعالِم .

إن ما يجري في لبنان لا يدل إطلاقاً على أن السلطة السياسية الحاكمة في لبنان تريد الدخول في مرحلة الدولة العصرية لا بل فهي تتعمد إغراق لبنان في ممارسات الدولة المتخلفة كي يصل لبنان الى نتيجة حتمية بإعلان عدم أهلية اللبنانيين للحكم أو بتسليمه مهشماً للعدو الإسرائيلي تنفيذاً لسياسات وخطط الدول المتآمرة على الشرق الأوسط وبلدانه بعد ضرب كل المؤسسات وتدميرها وتهشيم نمط الحكم الرشيد نتيجة ربط السلطات ببعضها وفتح الباب على مصراعيه أمام ممارسات سياسات التدمير .