.1 لم تكن أزمة النفايات في لبنان وليدة اللحظة، بل هي نتيجة تراكمات عمرها عقود. منذ الحرب الأهلية، وبدل أن تعتمد الدولة نهجاً مستداماً لإدارة النفايات، عمدت القوى السياسية إلى استخدام هذا الملف كأداة للابتزاز السياسي والاستفادة المالية. تحوّل ملف النفايات إلى باب للفساد، حيث فُتحت الأبواب أمام الصفقات المشبوهة والشركات غير المؤهلة، وتم فرض رسوم باهظة على المواطنين مقابل خدمات لم تُقدّم بشكل فعلي. كما استُخدم الملف لجذب تمويلات خارجية من المانحين، انتهى أغلبها في جيوب المتنفذين.
2. الحلول التقنية الجاهزة: من الناحية التقنية، توجد في أدراج وزارة البيئة عشرات الدراسات والخطط التي أُعدت لحل الأزمة. من ضمن هذه الحلول، قدّمت شخصياً للوزارة سنة ٢.١٧ دراسة تعتمد على النمذجة والمحاكاة لاختيار أفضل السيناريوهات لإدارة النفايات، مع الأخذ بعين الاعتبار المعايير البيئية، الصحية، والاقتصادية. إلا أن الإرادة السياسية لتنفيذ أي من هذه الحلول ما زالت غائبة بسبب تضارب المصالح واستفادة البعض من استمرار الفوضى.
3. الإصلاح التشريعي المطلوب: من الناحية القانونية، أعمل حالياً على مراجعة قانون إدارة النفايات الصلبة رقم 80/2018، لتوضيح الصلاحيات بين السلطات التنفيذية والتشريعية. الهدف هو وضع الإطار القانوني لاعتماد نموذج هجين يجمع بين المركزية واللامركزية، حيث تُشرف وزارة البيئة على النظام العام، وتحتفظ بالبيانات المركزية، بينما يتم تنفيذ بعض العمليات على مستوى المناطق والبلديات.
في الختام، الحل الحقيقي يتطلب إرادة سياسية حقيقية تفرض الشفافية والمساءلة، وتحرر هذا الملف من أيدي أمراء الحرب الذين لم يسرقوا الأموال فقط، بل تسببوا أيضاً بأضرار بيئية وصحية جسيمة. إن النهوض بهذا القطاع يبدأ بمحاسبة المسؤولين، وإشراك المجتمع المحلي في الرقابة والتنفيذ لضمان استدامة أي حل يُعتمد. إننا نتامل خيرا بعمل الحكومة الجاد بالرغم من قصر وقتها