الإصلاح الضريبي : من عبء على المواطن إلى أداة لبناء الدولة

الإصلاح الضريبي : من عبء  على المواطن إلى أداة لبناء الدولة

لا يُمكن الحديث عن نهوض اقتصادي أو استقرار إجتماعي في لبنان من دون إعادة النظر جذريًا في النظام الضريبي القائم، الذي تحوّل مع الوقت إلى أداة جباية غير عادلة وغير منتجة، تصيب الفئات الأضعف وتستثني الأكثر ثراءً .

فعلى مدى عقود، اعتمدت الدولة اللبنانية بشكل أساسي على الضرائب غير المباشرة، وعلى رأسها الضريبة على القيمة المضافة ورسوم المحروقات. وهذه، بطبيعتها، لا تفرّق بين غني وفقير، بل تُثقل كاهل من لا يملك، وتغضّ الطرف عن من يراكم الأرباح والثروات .

ماذا كانت النتيجة؟

نظام ضريبي يعمّق الفجوة الاجتماعية بدل أن يردمها، ويُضعف الثقة بين المواطن والدولة بدل أن يعزّزها .

وهذا ما فعلته الحكومة اللبنانية في آخر جلسة عندما أقرت زيادة الرسوم على المحروقات بحجة تمويل الدفع الإضافي والمنح الإجتماعية للعسكريين. هنا تكمن المشكلة حيث يضطر المواطن اللبناني لدفع الرسوم ذاتها على كل ليتر بنزين مهما كان دخله أو مهما إختلف عمله . مثلاً عامل التوصيل الذي يستخدم دراجته للعمل اليومي يدفع النسبة نفسها التي يدفعها صاحب السيارات الفاخرة. وهذه الرسوم لا تُستخدم لتحسين النقل العام، أو دعم الطاقة البديلة، بل تذهب إلى خزينة مثقوبة تُنفق بلا رقابة ولا مساءلة .

كان من الأجدى على الحكومة المسماة حكومة الإصلاح أن ترفع الرسوم على كل مستحضرات وأدوات التجميل ولكانت الخزينة مولت منح العسكريين وربما باقي موظفي القطاع العام كله .

أو كان من الأفضل إتباع بعض ما إعتمدته الدول المتطورة كبريطانيا وفرنسا وكندا وغيرهم حيث تم رفع الرسوم على الكماليات كالدخان والنارجيلة والمشروبات الروحية .

وأيضاً هنا تكمن المفارقة : الدولة تفرض ضرائب على الاستهلاك، لا على الربح؛ على الضرورات، لا على الكماليات؛ على المواطن، لا على المنظومة التي راكمت الريع والتهرب والاحتكار، وجمعت الأموال من الأعمال الغير نظيفة .

ماذا يعني الإصلاح الضريبي ولماذا أصبح ضرورياً اليوم؟

الإصلاح يا سادة لا يعني زيادة الضرائب، بل تغيير فلسفة الجباية. المطلوب ليس تحميل المواطن أعباء جديدة، بل إعادة توزيع العبء الضريبي على نحو أكثر عدالة وفعالية . 

أما السؤال الرئيسي الذي يسأل في حالتنا: ما الذي يعيق الإصلاح الضريبي في لبنان ؟

الجواب بسيط ومعقد في آن: غياب الإرادة السياسية. فالنظام القائم هو انعكاس لمصالح من صنعوه ويحتمون به. القوى النافذة المسيطرة والمهيمنة على الدولة ستقاوم كل محاولة لإدخال .

إصلاح حقيقي يطال امتيازاتها، سواء في الضرائب أو الرسوم أو سواها. ولهذا، فإن الإصلاح الضريبي لن يتحقق إلا كجزء من رؤية أشمل لإعادة بناء الدولة، وإعادة توزيع السلطة والثروة، وترسيخ مفهوم المواطنة المتساوية .

في النهاية، الضريبة ليست مجرد رقم على فاتورة. هي مرآة للعقد الاجتماعي بين المواطن والدولة. إما أن تُبنى على الإنصاف والشفافية والخدمة، أو تتحوّل إلى أداة استنزاف وفقدان للثقة .

إن الإصلاح الضريبي ليس مجرد بند تقني في خطة التعافي، بل هو جزء من رؤية وطنية لإعادة بناء الدولة على أسس العدالة والكفاءة والشفافية. يتطلب ذلك إعادة صياغة "عقد ضريبي جديد" يُعيد الاعتبار لمفهوم المواطنة، ويحوّل الضريبة من عبء إلى أداة مشاركة عادلة في تمويل الصالح العام. فبدون عدالة ضريبية، لا عدالة اجتماعية، ولا تعافي اقتصادي، ولا دولة وللحقيقة أسأل نفسي السؤال الكبير: أي عقد إجتماعي نناقش ؟ .