من مضيق هرمز الى جيب المواطن الاميركي حرب بلا حصانة للاقتصاد العالمي

 من مضيق هرمز الى جيب المواطن  الاميركي  حرب بلا حصانة للاقتصاد العالمي

بينما تتصاعد ألسنة النار بين إسرائيل وإيران، ويزداد الحديث عن احتمالية دخول الولايات المتحدة بشكل مباشر على خط المواجهة، يترقب العالم كارثة جيو-اقتصادية قد تتجاوز في تداعياتها الأزمات الكبرى التي هزّت الاقتصاد العالمي خلال العقود الأخيرة.

فما يجري في الشرق الأوسط اليوم لم يعد مجرد مواجهة عسكرية، بل بوادر زلزال اقتصادي عالمي يهدد بنسف استقرار الطاقة، وتمزيق الأسواق، ودفع العالم نحو ركود تضخمي واسع النطاق.

إذا قررت إيران الرد على تدخل أميركي مباشر باستهداف الملاحة في الخليج العربي أو إغلاق مضيق هرمز، فإن أكثر من 20% من الإمدادات النفطية العالمية ستتوقف فجأة.  وهذا يعني أن الأسعار قد ترتفع خلال أيام إلى ما بين 150 و180 دولاراً للبرميل، ما سيؤدي إلى تضخم عالمي حاد وانكماش اقتصادي محتمل، خصوصاً في أوروبا، والهند، واليابان، وحتى الصين التي تعتمد على النفط الإيراني والخليجي. 

كما ان تعطّل ممرات الشحن في الخليج سيعطّل وصول المواد الخام والأساسية للصناعات الكبرى، خصوصاً الصناعات الكيماوية والبلاستيكية والغذائية.

أسعار الشحن البحري سترتفع، ما يزيد من كلفة المنتجات في الأسواق، ويضاعف الضغط على الدول المستوردة التي لم تتعافَ بعد من تداعيات جائحة كورونا.

الركود  التضخمي يلوح في الأفق ، ففي ظل التضخم الناتج عن ارتفاع أسعار الطاقة والمواد الغذائية، لن يكون أمام البنوك المركزية إلا خياران كلاهما صعب: إما رفع أسعار الفائدة ما يؤدي إلى ركود داخلي وخنق الاستثمار. أو ضخ السيولة لمواجهة الأزمات الاجتماعية، ما يؤدي إلى انهيار قيمة العملات المحلية، خاصة في الدول النامية.

وهذا ما يسمى بـ**“الركود التضخمي”** – وهو السيناريو الأسوأ اقتصاديًا، حيث تتوقف عجلة النمو بينما ترتفع الأسعار بشكل غير قابل للسيطرة.

ستشهد البورصات العالمية – من وول ستريت إلى طوكيو – موجات بيع هستيرية، مع توجه المستثمرين إلى الذهب والدولار كملاذات آمنة.

فيما قد تتقلب  العملات الرقمية قد  بشكل عنيف، فيما تخرج رؤوس الأموال من الأسواق الناشئة مثل تركيا والبرازيل ومصر، لتدخل في دوامة من عدم الاستقرار المالي والعملة.

ستتأثر صادرات الحبوب، خصوصاً من آسيا الوسطى وروسيا، في حال تطورت الحرب إلى مواجهة أوسع تشمل تحالفات جديدة.  فيما الدول الفقيرة التي تعتمد على الاستيراد ستعاني من مجاعة محتملة، مع تصاعد أسعار القمح والأرز والزيوت والوقود، ما قد يؤدي إلى اضطرابات اجتماعية خطيرة وهجرات جماعية. ومن هنا يبدو الامن الغذائي العالمي في خطر. 

كما ان الاقتصاد الأميركي ليس بمنأى عن العاصفة ، رغم أن الولايات المتحدة تُعدّ من كبار منتجي النفط والغاز، إلا أن دخولها في حرب شاملة في الشرق الأوسط سيضع اقتصادها في مواجهة مباشرة مع أزمات مالية واجتماعية عميقة.

فالموازنة الفيدرالية الأميركية تعاني أصلاً من عجز مزمن، والدين العام الأميركي تجاوز 34 تريليون دولار، في وقت ترتفع فيه تكلفة الاقتراض وتتعقّد جهود السيطرة على التضخم.

أي تدخل عسكري أميركي واسع النطاق سيُترجم تلقائيًا بزيادة الإنفاق الدفاعي، على حساب البرامج الاجتماعية والخدمات الأساسية، ما سيُفاقم الغضب الشعبي في الداخل الأميركي.

وقد شهدت الولايات المتحدة مؤخرًا احتجاجات واسعة في عدة ولايات، تعبيرًا عن تدهور القدرة الشرائية، وارتفاع تكاليف المعيشة، والغموض السياسي في عام انتخابي حساس.

وإذا ما أُغلق مضيق هرمز بفعل التصعيد العسكري، فإن أسعار النفط قد تتجاوز 180 دولاراً للبرميل، ما يعني ارتفاعاً مباشراً في أسعار البنزين والنقل والسلع الأساسية داخل الأسواق الأميركية.

في المقابل، سيتجه المستثمرون نحو الذهب كملاذ آمن، ما سيرفع أسعاره إلى مستويات قياسية جديدة، لكن هذا لن يخفف من الضغط على المستهلك الأميركي الذي سيدفع ثمن الحرب من جيبه.

قمة الدول السبع: غطاء غربي للتصعيد وأفق مغلق أمام التهدئة

تزامنًا مع التدهور السريع في الأوضاع الميدانية، جاء بيان مجموعة الدول السبع من كندا ليمنح إسرائيل غطاءً دبلوماسيًا واضحًا في تصعيدها ضد إيران، إذ حمّل البيان طهران مسؤولية زعزعة الاستقرار في المنطقة، وأكد على ضرورة منعها من امتلاك السلاح النووي، مع التشديد على حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها.

وفي خلفية هذا التحول، جاءت الهجمات على سفن تجارية في مضيق هرمز وإصابة السفارة الأميركية في إسرائيل لتسرّع من وتيرة التهديد الأميركي.

فالرئيس دونالد ترامب، العائد من قمة كندا، يبدو مستعدًا لطرح معادلة حاسمة أمام إيران: إما العودة الفورية إلى طاولة المفاوضات والتخلي عن برنامجها النووي دون شروط، أو مواجهة حرب شاملة يشارك فيها الغرب إلى جانب إسرائيل.

وزير الدفاع الأميركي صعّد لهجته بشكل غير مسبوق، ملوّحًا بأن حماية الأصول الأميركية في المنطقة أصبحت أولوية عسكرية، وهو ما يعني أن دخول واشنطن في الحرب لم يعد مستبعداً، بل أصبح مسألة توقيت.

في المقابل، سيكون ردّ إيران على هذا الإنذار هو المحدّد لمسار المرحلة المقبلة: هل تختار طهران مواجهة مفتوحة طويلة الأمد، أم ترضخ لضغوط دولية متصاعدة وتقبل بالتفاوض بلا شروط؟

وهنا يدخل موقفا الصين وروسيا كعامل حاسم. فالدعم أو الحياد من القوتين العظميين سيحدد ما إذا كانت إيران قادرة على الصمود سياسيًا واقتصاديًا، أم أنها قد تُترك وحيدة كما حدث سابقًا مع النظام السوري.

ومع الدعم السياسي من مجموعة السبع، من المرجّح أن يسعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى رفع مستوى الهجمات في الأيام المقبلة، معوّلًا على تغير المزاج الغربي والدفع الأميركي باتجاه الحسم.

انها مواجهة إقليمية بأثمان عالمية إذا اختارت واشنطن الانخراط الكامل في الحرب. سيتحول التوتر السياسي إلى زلزال اقتصادي عالمي، يضرب الأسواق، ويفكك الاستقرار النقدي، ويضع النظام العالمي أمام اختبارات وجودية.  هي ليست مجرد حرب في الشرق الأوسط… بل أزمة اقتصادية دولية قد تغيّر شكل الاقتصاد العالمي لعقود.