اسواق العملات المشفرة تشهد انتعاشاً لافتا بقيادة بيتكوين

 اسواق العملات المشفرة تشهد  انتعاشاً لافتا بقيادة بيتكوين

تشهد سوق العملات المشفرة انتعاشًا لافتًا، تقوده بيتكوين في طليعة هذا التحرك الصعودي بعد تجاوزها حاجز المقاومة عند 109,000 دولار أميركي. وهذا الارتفاع لم يكن وليد الصدفة أو نتيجة مضاربة قصيرة الأجل، بل يعكس تغيرًا جوهريًا في المزاج العام للمستثمرين، خصوصًا بعد أن أظهرت البيانات استمرار الطلب المؤسسي، لا سيما من خلال صناديق الاستثمار المتداولة الفورية. عندما نرى تدفقات استثمارية صافية تبلغ 408 ملايين دولار في يوم واحد، وغياب أي تدفقات خارجة من صناديق الاثني عشر المرخصة في الولايات المتحدة، فهذا مؤشر واضح على ثقة متزايدة من المؤسسات، التي تُعد حجر الزاوية في استقرار أي أصل مالي .
وما يدعم هذه النظرة كذلك هو التراجع الملموس في ضغوط البيع من قبل الحيتان والمستثمرين الكبار، منذ نيسان أبريل الماضي. فحين تتراجع هذه الضغوط، ويستقر سلوك المستثمرين الكبار رغم اضطرابات جيوسياسية، فإننا أمام مشهد منضبط يتجاوز المخاوف. وبيانات الموقتة التي تشير إلى أرباح غير محققة بقيمة 1.2 تريليون دولار في البيتكوين تؤكد أن المستثمرين يرون في هذا الأصل قيمة حقيقية طويلة الأجل، لا مجرد موجة مؤقتة للربح السريع. ومع ذلك، لا يمكن تجاهل احتمال حدوث موجات جني أرباح في أي لحظة، وهو ما قد يسبب تصحيحات سريعة، خصوصًا إذا تغيرت المعنويات فجأة أو صدر قرار تنظيمي سلبي من أحد الهيئات الرقابية الكبرى.
وبرأيي، الزخم الحالي في السوق لا يقتصر على البيتكوين فقط، بل يمتد إلى العملات المشفرة الأخرى مثل الإيثريوم والريبل. حيث تجاوز الإيثريوم لمستوى 2,600 دولار يعكس دعمًا قويًا من جانب المؤسسات المهتمة بالمنتجات المشتقة، مثل عقود الخيارات والعقود المستقبلية، مما يدل على نضوج السوق واستعداد المستثمرين لخوض رهانات طويلة الأجل. كذلك، فإن المؤشرات التقنية الحالية تُظهر أن الثيران يسيطرون على المشهد، مع اختراق واضح للمتوسطات المتحركة المهمة، مما يعزز احتمالات مواصلة الصعود نحو مستويات 2,740 وربما 2,880 دولار، خاصة في حال استمرار السيولة المؤسسية. لكنني، أرى أن نقطة الخطر لا تزال تكمن في قدرة السوق على الحفاظ على الزخم دون دعم فعلي من تغييرات تنظيمية جذرية تضمن استقرار السوق على المدى الطويل .

وبالنظر الى الريبل ، فإن تجاوز العملة لحاجز المقاومة القوي عند 2.20 دولار يُعد إنجازًا تقنيًا مهمًا، خصوصًا أن العملة عانت طويلاً من ضغوط قضائية وتنظيمية مرتبطة بدعواها مع هيئة الأوراق المالية الأمريكية. والاتجاه الصعودي الجديد يعكس تفاؤلًا بإمكانية التوصل إلى تسوية نهائية أو على الأقل تخفيف الضغط القانوني، مما قد يسمح لها بالانطلاق نحو مستويات أعلى، خصوصًا مع الدعم الفني من المتوسطات المتحركة الأسية لـ50 و100 يوم. ومع ذلك، لا يمكننا أن نغفل أن لا تزال أكثر عرضة من غيرها للتقلبات نتيجة وضعها القانوني المعقد، مما يجعل أي مكاسب كبيرة عرضة للانعكاس الحاد حال صدور تطورات سلبية . 
ومن منظور أوسع، وصول القيمة السوقية للعملات المشفرة إلى 3.4 تريليون دولار يعكس دخول السوق في مرحلة جديدة من النضج والثقة. وتجاوز بيتكوين لحاجز 109,500 دولار يعزز احتمال اختبار القمة التاريخية عند 112,000 دولار، بل وربما اختراقها في حال توافرت ظروف داعمة كاستمرار السياسة النقدية التوسعية، واستقرار أسواق الأسهم، وتحسن البيانات الاقتصادية العالمية. ويُضاف إلى ذلك توقعات من مؤسسات كبرى مثل ستاندرد تشارترد بوصول البيتكوين إلى 135 ألف دولار في الربع الثالث، مما يعكس ثقة في قدرة الأصل الرقمي على النمو كأداة تحوط وكمخزن للقيمة.
ومع أن المشهد العام يبدو إيجابيًا، إلا أنني أرى أن الأسواق لا تزال تعتمد بشكل كبير على تدفقات السيولة المؤسسية وتطورات المشهد التنظيمي في الولايات المتحدة، حيث تلعب لجنة الأوراق المالية والبورصات دورًا محوريًا في تحديد مستقبل العملات المشفرة. ومن جهة أخرى، يواصل الاحتياطي الفيدرالي الأميركي الإبقاء على نهج مرن نسبيًا في ما يخص أسعار الفائدة، وهو ما يدعم الأصول عالية المخاطرة في الوقت الحالي. لكن أي تغير مفاجئ في هذا الاتجاه، مثل صدور تقرير التوظيف القوي بشكل غير متوقع أمس، قد يبدد جزءًا من التفاؤل الحالي ويعيد الأسواق إلى حالة الحذر.
لذا أرى أن الاتجاه الصعودي للبيتكوين والعملات المشفرة مستمر، مدعومًا بعوامل أساسية قوية مثل الطلب المؤسسي، تطور أدوات الاستثمار، واستقرار نسبي في البيئة الاقتصادية الكلية. ومع ذلك، تبقى الأسواق في حالة حساسة، وتعتمد بشكل كبير على استمرارية هذا الدعم واستقرار السياسة التنظيمية. وعليه، فإن المستثمر الذكي هو من يوازن بين التفاؤل بالفرص الصاعدة، والاحتراز من المفاجآت التي قد تحملها الأيام القادمة في سوق لا يزال مليئًا بالتقلبات .

التحليل الفني لـ البيتكوين
يُظهر الرسم البياني أن السعر يتحرك ضمن نطاق عرضي بين المقاومة القوية عند مستوى 112,042 والدعم عند 100,518، مع دعم ثانوي عند 106,518. كما يُلاحظ تشكيل نموذج هارمونيك (غالبًا نموذج AB=CD)، مما يدل على حركة تصحيحية تمهّد إما لاختراق صاعد أو هبوط انعكاسي. ويتداول السعر حاليًا عند 109,292، قرب منطقة مقاومة فرعية ما بين 109,160 و109,500، والتي تُعد مفصلية في تحديد الاتجاه القادم.
وفي حال تم اختراق المقاومة النفسية 112,042 والثبات فوقها، فقد نشهد موجة صعود جديدة تستهدف مستويات 116,000 ثم 120,000 على المدى المتوسط، بدعم من الزخم الإيجابي الظاهر في حركة السعر الأخيرة. أما في حال فشل الاختراق وعودة السعر إلى ما دون 106,518، فسيكون هناك خطر بالعودة إلى الدعم عند 100,000، ومن ثم إلى المنطقة الرمادية حول 96,361، والتي تتقاطع مع المتوسط المتحرك كمنطقة دعم فنية قوية.
ومع ذلك، مؤشر الستوكاستيك يظهر في مناطق تشبّع شرائي (فوق 80)، مما يدعم احتمالية حدوث تصحيح هابط مؤقت. لكن طالما السعر لم يكسر 106,518، فإن الزخم العام يبقى مائلًا للصعود. كما أن تكرار ارتداد السعر من مناطق الدعم يؤكد وجود اهتمام شرائي. لذلك يُنصح بالترقب عند المستويات الحالية مع مراقبة سلوك السعر قرب 112,042 لاختيار الاتجاه بناءً على الاختراق أو الارتداد.

مستويات الدعم: 106,518 – 100,000 – 96,361
مستويات المقاومة:  109,500 – 112,042 – 116,000