مع انتهاء ولاية رياض سلامة في تموز 2023، تولى الدكتور وسيم منصوري مهام الحاكم بالإنابة. رحّب الشارع بخروجه، لكن هذا الترحيب كان انعكاساً لكره الناس لسلفه أكثر مما هو اقتناع بقدراته.
في 18 كانون الأول 2023، اتخذ منصوري قراراً بالغ الأهمية يقضي بتعديل سعر الصرف الرسمي من 15,000 ليرة لبنانية للدولار إلى 89,500 ليرة. جاء القرار في خضم النقاشات حول إعداد موازنة 2024، ليشكّل نقطة تحوّل في السياسات النقدية والمالية للدولة. لكن ما جرى لم يكن مجرد تعديل تقني أو محاولة للاقتراب من سعر السوق، بل كان خياراً متعمداً لتأمين تمويل فوري للحكومة من جيوب المواطنين، وتخفيف الضغط عن السلطة السياسية التي ترفض الإصلاح وتقاوم مطالب اللبنانيين والمجتمع الدولي. فالانتقال من 15,000 إلى 89,500 يعني عملياً:
*1. قفزة ضريبية غير مسبوقة*. جميع الرسوم والضرائب التي كانت تُحتسب على أساس السعر الرسمي القديم تضاعفت فجأة بحوالي ستة أضعاف، ما رفع كلفة المعاملات الرسمية (تسجيل العقارات، رسوم الجمارك، الطوابع، الضرائب على الدخل والشركات).
*2. تحسّن استثنائي في إيرادات الدولة*. وفقاً لتقرير مصرف لبنان، ارتفعت جبايات الخزينة بشكل كبير خلال النصف الأول من 2024، ما أتاح للدولة موارد إضافية بالليرة عوضاً عن مواجهة استحقاقات الإصلاح.
*3. تحميل المواطن الكلفة المباشرة*. في عهد رياض سلامة، كانت الدولة تموّل جزءاً كبيراً من نفقاتها عبر مدخرات المودعين المحتجزة في الحسابات المصرفية، ومن دون أي استشارة أو موافقة منهم. إذ استرسلت المصارف في توظيف هذه الودائع بتصرّف الطبقة السياسية الفاسدة والفاشلة، من خلال الاكتتاب في سندات الخزينة بالليرة والدولار، أو عبر شهادات إيداع لدى مصرف لبنان، الذي بدوره حوّلها إلى أداة تمويل تحت تصرّف السلطة. كانت هذه آلية غير مباشرة، تُخفي الكلفة الفعلية على المواطن.
أما اليوم، فقد تغيّر المشهد، تمّ نقل العبء مباشرة إلى دخل المواطن، من خلال الضرائب والرسوم التي تضاعفت قيمتها مع تعديل سعر الصرف الرسمي. وبذلك، لم يعد الاستنزاف خفياً عبر مدخرات محتجزة، بل صار مباشراً وصارخاً، يضرب القدرة الشرائية للمواطن ويجعل التدهور أكثر قسوة ووضوحاً. يمكن القول إن ما جرى يشبه إعادة تسعير شاملة لكل ما يدفعه المواطن للدولة. فالفاتورة التي كانت تُقدَّر بمئة ألف ليرة على أساس سعر صرف 15,000، قفزت فجأة لتقارب ستمئة ألف ليرة بعد اعتماد 89,500 كسعر رسمي جديد. صحيح أن الدولة ربحت مالياً، لكن هذه الأرباح لم تكن ثمرة إصلاحات أو سياسات مبتكرة، بل مجرد وسيلة لإطالة عمر سلطة عاجزة وفاسدة، على حساب المواطن.
ورغم هذا التحوّل، وما تبعه من استقرار نقدي نسبي، لم تُقدَّم أي خطة إصلاحية شاملة تُعيد التوازن للقطاعين المالي والاقتصادي. فمصرف لبنان، بدل أن يكون أداة لحماية المودع واستعادة الثقة، تحوّل مجدداً إلى درع للطبقة السياسية، يؤمّن لها إيرادات استثنائية من دون إصلاح، ويحررها من الضغوط الداخلية والخارجية. النتيجة: المودع ما زال رهينة، يعاني من اقتطاعات وعمولات تعسفية، والمواطن يواجه البطالة والفقر وانهيار الخدمات الأساسية، من الصحة إلى التعليم.