تحية لامهات فلسطين بعيد الام

img

تستيقظ الطبيعة من سباتها الشتوي في الحادي والعشرين من كل آذار، لتستقبل دفء الشمس وتتجلى بأبهى حللها وأجمل الوانها. يحتفل لبنان والعديد من دول المنطقة بهذه المناسبة لما لديها من ارث تاريخي يعود إلى ايام المصريين القدامى، حيث كانوا يُقيمون مهرجانات سنوية لتكريم إيزيس، رمز والأمومة والخصوبة والحياة المتجددة. يُكرم الأولاد خصوبة وحيوية الحياة على الأرض، من خلال تكريم أمهاتهم، ليعبروا عن شكرهم لكل الحب والعطاء والتضحيات التي يقمن بها لأجل حياة أفضل لأولادهن ولمجتمعاتهن

يأتي هذا التاريخ كمناسبة لعدة احتفالات عالمية، فتجدد الحياة هو مصدر إلهام عميق لعدد كبير من الناس، لذا فان اعتماده يوم عالمي ليس سوى نتيجة حتمية لمكانة الام في دورة الحياة. وليس من باب الصدفة ان يتشارك هذا العيد أيضا الفترة الزمنية نفسها مع مناسبات عالمية أخرى ذات ابعاد متصلة مثل عيد النوروز واليوم العالمي للغابات، واليوم العالمي للمياه، واليوم العالمي للسعادة، واليوم العالمي للقضاء على التمييز العنصري، وغيرها من المناسبات ذات الرمزية الانسانية.

الاحتفال بهذه المناسبات عالمياً يثبت القواسم المشتركة بين الشعوب، ويساهم في تعزيز القيم الإنسانية وتشجيع التعاون الدولي، ويساعد على تعبئة الإرادة السياسية والموارد الضرورية لمعالجة القضايا الاساسية حول العالم. مثل هذه المناسبات تجسد الإرادة الجماعية للعمل نحو أهداف مشتركة مثل السلام الدولي والعدالة البيئية، وحماية الموارد الطبيعية. لذا اعتمدتها الأمم المتحدة وأصبحت جزءًا من جهود الأمم في تعزيز التعاون الدولي ورفع الوعي بالقضايا العالمية تشكل فرصة للمشاركة والتفاعل بين منظمات الأمم المتحدة والحكومات والمجتمع المدني والقطاعين العام والخاص والمؤسسات التعليمية، وعموم المواطنين في أنشطة مشتركة، مما يجعل الأيام الدولية نقطة انطلاق لتعزيز التوعية والعمل الجماعي نحو حل المشاكل العالمية.

على الرغم من الإيجابية التي تنتج عن العمل البناء الجماعي والذي يسعى إليه العالم في هذه الأيام الدولية، يأتي عيد الأم هذا العام ليذكرنا أن الحقد والدمار والقتل والألم والمعاناة التي نشهدها نتيجة الحروب هي وصمة عار وإحساس بالعجز عن تحقيق عدالة الإنسان. ولعلنا نستفيد من هذا اليوم، يوم الأم العالمي ويوم الأم العربية، لنرفع صوتنا بقوة ونصرخ بنداء عالي النبرة من أجل وقف الحروب والدمار الشامل، ونقدم أكبر تحية لأمهات فلسطين اللاتي يواجهن خطر الجوع والعطش والموت في كل لحظة منذ أكثر من ستة أشهر.

فكيف يمكن أن نتخيل ما تمر به الأمهات الذين يحرمن أنفسهن لكي يتركن القليل من الطعام الذي لديهن لأطفالهن؟ الأمهات اللواتي يعلمن أن إجبار أطفالهن على شرب مياه مالحة من البحر المالح يعتبر قاتلًا، ولكنهن لا يمكنهن مشاهدة أطفالهن يعانون من العطش؟ الأمهات اللواتي يرسلن أطفالهن لجلب قطرة من الطعام القادمة من خلال إلقاء الطائرات دون معرفة ما إذا كانوا سيموتون من صناديق تقع على رؤوسهم أو من إطلاق نار العدو عليهم؟ إن أمهات فلسطين يعشن أصعب التحديات وينظرن بأم اعينهم الى أبشع الجرائم التي عرفها التاريخ من قتل وجوع وعطش وتشريد وخوف وهم غير قادرون على حماية عائلتهن.

إن الحرب على فلسطين وعلى الأمهات في فلسطين هي أكبر شاهد على فشل الجهود الدولية لنشر العدالة الإنسانية في العالم، وأن الحلول المعتمدة والتي ترتكز على الموارد المالية وفائض القوة غير كافية للوصول إلى عدالة الإنسان. لنستخلص العبر والحكمة من الأمهات، ونعيد النظر في الايام الدولية لتأمين الوعي من اجل حياة أفضل للإنسان حتى لا يترك أحدًا وراء.

الأمهات غالبًا ما تتخذ قرارات داخل أسرهن تولي الأولوية للعمل معًا والتوافق من أجل استدامة الأسرة. فهن يفهمن بشكل عميق كيفية خلق التوازن بين احتياجات الفرد ومصلحة الجماعة وهي الأسرة بأكملها. نحن بحاجة ماسة إلى هذا النمط من التفكير والمقاربة التي إذا تم تطبيقها على مستوى الجماعة، تحقق التوازن بين احتياجات الفرد وبين العدالة الجماعية التي نصبوا إليها.

لقد سمحت لنفسي في هذا اليوم، يوم الأرض والخصب والخلق والإبداع، يوم الأم بمحبتها اللامتناهية، أن أحلم بحياة عادله ناتجة عن تفضيل المصلحة العامة على المصلحة الشخصية. ولكن هذا الحلم لن يتحقق إلى حين تصبح الأمهات هن اللواتي يمسكن القرار، وهن اللواتي يحكمن العالم.