في ظل الأزمة الاقتصادية التي تعصف بلبنان منذ عام 2019، يخشى اللبنانيون من عدم قدرة الحكومة اللبنانية على تأمين الحد الأدنى من متطلبات الصمود لمواجهة الحرب المحتملة.
وللحفاظ على الأمن الغذائي للبنانيين أطلقت نقابة مستوردي المواد الغذائية نداء عاجلاً والإدارات المعنية، ناشدتها فيه "اتخاذ إجراءات استثنائية وسريعة في ظل الظروف الدقيقة والاستثنائية التي يمر بها لبنان لتعجيل تخليص معاملات السلع الغذائية المستوردة الموجودة في مرفأ بيروت وتسليمها لأصحابها، تمهيداً لتخزينها في المخازن داخل لبنان بعيداً عن أي مخاطر، من أجل الحفاظ على الأمن الغذائي للبنانيين".
فهل تحققت مطالب النقابة . وما هو واقع الامن الغذائي في لبنان "مجلة 24 "سالت رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية في لبنان هاني بحصلي مما لا شك فيه، رغم الحركة التجارية الناشطة، وبعض الحركة السياحية التي نشطت في الشهر الماضي وضعفت بعد تصاعد حدة التوتر العسكري والاعلامي في الأسابيع الماضية، إلا أن الوضع العام الاقتصادي والتجاري ليسا على ما يرام، لا بل في أزمة حقيقية.
ان البعض يتحدث عن تداعيات حصول حرب على الأمن الغذائي، متناسين ان البلد هو الآن في حرب حقيقية على قسم كبير من مساحته، مع دمار للممتلكات والأراضي الزراعية والنزوح. وذلك يؤثّر حتماً ليس فقط على المناطق المصابة مباشرة من هذا العدوان، بل على البلد ككل.
وفي هذا الإطار، يبرز الهم الأكبر عند كل المواطنين، ان كانوا في مناطق الصراع أو في المناطق الأقل تعرضاً للقصف، وهو الأمن الغذائي وكيفية تلبية حاجاتهم التموينية في حال حصول ما يُسمى بالحرب الشاملة.
للأمن الغذائي ثلاثة عناصر أساسية، واجب تأمينها:
- أولاً: وجود الغذاء
- ثانياً: الوصول إلى الغذاء
- ثالثاً: صحة الغذاء.
ان افتقاد أي عنصر من هذه العناصر الثلاثة منفرداً يخلّ بالامن الغذائي ككل.
وجود الغذاء يعني إمكانية تأمين السلع ان كان تصنيعاً محلياً ام استيراداً، علماً ان التصنيع المحلي يحتاج أيضا الي استيراد المواد الغذائية. في الوقت الحالي، ليس من مشكلة آنية على وجود الغذاء طالما ان المرافئ البحرية والجوية تشتغل بشكل طبيعي، لكن الخشية دائماً من حصول حصار بحري في حال تدهورت الأمور عسكرياً.
الوصول الى الغذاء له شقّين أساسيين، وهما أولاً إمكانية توزيع السلع من مستودعات المستورد الى التاجر ثم الى السوبرماركت أو التعاونية أو الدكان في الحي, وأيضاً إمكانية المواطن الوصول الى هذه المحال لشراء حاجاته. وهذا الشق الأول يتعطّل في حال نشبت حرب مشابهة لحرب تموز وانقطاع المواصلات والطرقات.
أما الشق الثاني فيكمن في التقلب الغير عادي للأسعار جرّاء عوامل إقتصادية كما حصل في بدء الأزمة الإقتصادية مع تدهور سعر العملة المحلية وتبخّر الودائع وكل ما جرى نتيجة لذلك من تدني القدرة الشرائية وعد إمكانية تغطية نفقات العيش اليومية من غذاء أو سكم أو علم أو دواء.
صحة الغذاء هو نوعية الغذاء من ناحية الجودة وتاريخ الصلاحية، وقد يتأثر هذا العنصر بعدة عوامل وعلى سبيل المثال، لا الحصر، من الانقطاع المتواصل للتيار الكهربائي ولمد طويلة مما يؤثر على البضائع الطازجة أو المثلجة التي تحتاج الى التبريد، في حال انقطع إمداد الطاقة للشركات والمستودعات والمحال التجيارية.
رغم كل المصاعب، فإن القطاع الخاص يعمل دؤوباٌ على تخطي هذه المرحلة بإيجاد حلول بديلة لتأمين سلسلة التموين وعدم انقطاع انسياب تدفق البضائع بين نقاط التوزيع والبيع، رغم المشاكل والتحديات الكامنة في تعطّل معظم الأدارات العامة والمؤسسات الحكومية والتأخير في إخراج البضائع من مرفأ بيروت، وعدم حضور موظفي الوزارات والإدارات العامة الى مكان عملهم في مكاتبهم أو على الأرض في المرافئ.
في الأزمات الكبرى، يسعى المواطن إلى تأمين حاجاته الأساسية قبل الثانوية وهي تتمثل بثلاث قطاعات لها أهمية قبل غيرها، وهي الغذاء والدواء والطاقة. وفي حال تعرّض هذه القطاعات لمخاطر الحرب، فإن قطاع الغذاء هو الأقل عرضة لهذه المخاطر. فمن ناحية الطاقة، فإن إمكانية استهداف المنشآت النفطية أمر سهل وممكنأ إذ ان معظم خزانات الوقود التابعة للشركات المستوردة معروفة المكان وهي عرضة للقصف المباشر. وذلك، وللأسف، يُطبق أيضاً على القطاع الصحي إذ ان المستشفيات هي أيضاً مكشوفة ومعروفة المكان، ورغم ان القوانين الدولية تحميها من الإعتداء المباشر، إلا أن ذلك لم يُطبق في السابق والتجاوزات لا زالت قائمة يومياً في قطاع غزّة. اما على صعيد المواد الغذائية فالموضوع يختلف، إذ ان المواد الغذائية لا تُخزّن في بعض الأماكن أو في مستودعات مركزية، بل تُوزّع على كافة الأراضي اللبنانية بالتساوي ولا يُمكن بأي شكل تعطيلها. وهذا أمر جيّد.
وتفادياً لأي طارئ، فإن معظم مستوردي المواد الغذائية قد آثروا الى توزيع بضائعهم على عدة مستودعات في المناطق من أجل تخفيف المخاطر في حال نشوب حرب شاملة، وكذلك إتاحة لمجال توزيع هذه السلع في كل الماطق في حال تقطّعت أوصال البلد وتعذر توزيع السلع من المستودعات الرئيسية للشركات.
على العموم، مع غياب كل مقومات الدولة الفعلية، وتعطّل كل مساعي الحل الداخلي وربط لقمة عيش المواطن اللبناني العادي بحل كل المشاكل الإقليمية والدولية، فإن التحديات للقطاع الخاص عموماٌ، وقطاع الغذاء خصوصاً هي تحديات ضخمة لا يمكن للدول أن تتحملها، فكيف لو لم يكن هنالك مقومات لعمل الدولة بشكل شبه منتظم.
لقد آثر القطاع الخاص على رفع التحديات بإمكانياته الخاصة، ولا يزال. إلا أن لا حل إلا بإعادة النشاط والحيوية الى عروق القطاع العام، وإعادة هيكلته وتنظيمه، وإعادة النظر بالقوانين القديمة المهترئة، والحرص على ضبط التهريب وضبط المرافق غير الشرعية، وكل هذا يبقى من باب التمني والشعارات طالما أن الوضع السياسي على حاله.