الموازنة من متطلبات الاصلاح الاساسية

img

بعدما علق مشروع موازنة العام 2025 في فضاء العقم السياسي اللبناني المستمر، بين الحكومة التي لم تطالب باسترداده من أجل تعديله وتغييره ، وبين البرلمان الذي لم يردّ مشروع القانون المرسل إليه سابقاً، وإحتفظ به من دون توزيعه على النواب .

أقرت حكومة "الإصلاح والإنقاذ" مشروع الموازنة الذي أعدّته حكومة الرئيس نجيب ميقاتي المستقيلة، من خلال إصداره بمرسوم، وهو ما يُعتبر بمنزلة "الفضيحة". إذ كيف لحكومة إصلاحية أن ترضى بإقرار قانون موازنة لم تضعه بنفسها، ولم تطلع عليه تفصيلياً إنما وضعته حكومة بتراء وعرجاء، تُوجّه التُهم لبعض وزرائها بالفساد، ووُضع في ظل حرب مدمّرة طالت لأكثر من سنة وأدّت إلى تدمير نصف لبنان؟ .

الإقرار أتى تحت مسميات وحجج عدّة من صنف : "انتهاء المهلة الدستورية"، أو تحاشي مطالب الوزراء الجدد الذين قد تقتحت شهيتهم على زيادة الإنفاق، والذي يبدو عملاً مدبراً من أجل تهريب المشروع بمرسوم تحاشياً للخلافات والجدل .وقد صرح رئيس الحكومة الدكتور نواف سلام تعليقاً على إقرار الموازنة بمرسوم، أننا إعتبرنا أن الاستمرار في الصرف على القاعدة الاثني عشرية، يلزم المالية العامة بسقف موازنة العام 2024، بينما في الواقع الحاجات تغيرت، وهناك حاجات إضافية، غير مغطاة فيها، ولا نود الاستمرار بالصرف بسلفات خزينة نظراً للمشاكل القانونية العديدة التي يثيرها هذا الامر. لذلك تم إقرار اصدار موازنة العام 2025 بمرسوم، اولاً لمنع التعطيل او تأخير الحاجات العامة وخدمات المواطنين. لذلك وبالتوازي مع إقرار موازنة العام 2025 بمرسوم ، كلفنا وزير المالية باعداد مشروع  قانون خلال أسبوع لاعادة النظر بالرسوم الواردة في الموازنة لتدارك الآثار الاجتماعية والاقتصادية السلبية التي يمكن ان تترتب على المواطنين. الأهم اننا سننكب على اعداد موازنة العام 2026، وهي التي ستكون الموازنة الإصلاحية الإنمائية التي بامكانكم محاسبتنا عليها، وليس على موازنة العام 2025

وكانت الحكومة السابقة قد وعدت سابقاً بإسترداد مشروع قانون موازنة 2025 وسحبه وإعادة درسه وإقراره من جديد. كان ذلك قبل إنتخاب رئيس للجمهورية، لكن هذا الأمر لم يحصل، حيث استقرّ مشروع الموازنة في البرلمان من دون إقراره في الموعد الدستوري، بسبب عدم قدرة النواب على الحضور إلى البرلمان خلال الحرب أو لإعتراض بعضهم الآخر على التشريع قبل انتخاب رئيس للجمهورية. ثم انقضت المهلة الدستورية على هذا المنوال، واليوم ترى حكومة الرئيس نواف سلام أنّ إقرار مشروع موازنة، لم تقم هي بتحضيره، هو " أسهل الشرور ."

في هذا الصدد، كان رئيس لجنة المال والموازنة النائب ابراهيم كنعان قد صرح ، بأنّ إقرار الموازنة بمرسوم كما هي اليوم، يُعدّ بمنزلة إهدار فرصة إصلاحية حقيقية، وكشف كنعان أنّ الحكومة عمرها سنة وثلاثة أشهر فقط، وهناك إنتخابات بلدية في أيار الحالي، وأخرى نيابية بعد سنة من التاريخ نفسه. فإذا انتظرت الحكومة حتى العام 2026 يمكن القول إنّ الإصلاح قد ضاع والحكومة قد أصيبت بمقتل .

يرفض كنعان الحجج التي تُساق حول انتهاء المهلة الدستورية، فيقدّم مخرجاً منطقياً يفيد بأنّ قانون تمديد المُهل الذي أقره البرلمان، يشمل كل المهل الإدارية والقانونية والتعاقدية، وبما فيها طبعاً قانون الموازنة. هذا القانون ينتهي تاريخه في نهاية شهر آذار وهو في نظر رئيس لجنة المال والموازنة وقت كافٍ من أجل إقرار موازنة جديدة ذات رؤية إصلاحية .

وتلك هي الكارثة، خصوصاً أنّ المشروع يضمّ أرقاماً غير حقيقية، ويشوبه الكثير من الملاحظات أهمها :

 – أنّ أرقامها تعود إلى مرحلة حرب المساندة، ثم إلى مرحلة الحرب الكبرى في أيلول. في حينه كانت ظروف البلاد مختلفة وقد طرأت زيادات كبيرة على النفقات. فمن أين ستأتي الحكومة بتلك الأموال في حال ليس هناك إيرادات؟

 – أنّها تستعجل الزيادة في النفقات (خصوصاً الزيادة في رواتب القطاع العام). فيكشف كنعان أنّ الزيادات يمكن أن تحصل بهدوء وبقانون منفصل ولا حاجة إلى “سلقها” في الموازنة ومن دون معرفة الأرقام الحقيقية للإيرادات والنفقات وبذلك تكون الحكومة قد أدخلت المالية العامة في متاهات لا تنتهي .

 – أنّها لم توزّع على النواب، ولا على أعضاء لجنة المال والموازنة المولجة بدراسة جميع تفاصيلها، خصوصاً أنّها ترفع رسوماً قد سبق ورفعتها حكومة الرئيس ميقاتي في موازنات الأعوام 2022 و2024 ويسأل كنعان: كيف سيصدرون الموازنة بمرسوم من دون مناقشة؟ بأيّ منطق؟ .

والأكيد أن موازنة 2025 فيها فوضى كبيرة في الزيادات تطال بنوداً ضريبية في مواد متعددة دون أية دراسة أو تقدير .

في نهاية المطاف، ثمة سؤال يُسأل: كيف يمكن للعهد الجديد والحكومة الجديدة تمرير أولى الموازنات بهذا الشكل؟ فهل ثمة أهمّ من الموازنة للتعبير عن نوايا الإصلاح الحقيقية؟

وهنا يطرح السؤال الكبير، هل سيتم الطعن بمرسوم الموازنة ؟