بعثة صندوق النقد تعري الطبقة السياسية

img

بعد أن انهى وفد من صندوق النقد الدولي، بقيادة السيد إرنستو راميريز ريغو، زيارة بيروت، لبنان، في الفترة ما بين 20 - 24 أيار، ناقش خلالها الوفد مع معظم المسؤولين اللبنانيين التطورات الاقتصادية الأخيرة والتقدم المحرز في الإصلاحات الرئيسية. لكن في نهاية الزيارة، أدلى السيد راميريز ريغو ببيان أوضح فيه الخلاصات والنتائج التي توصل إليها الوفد والتي شرح من خلالها بإستفاضة الواقع اللبناني وصعوبة الإستمرار في سياسة المراوحة والمراوغة، وأعلن تعليق المفاوضات مع لبنان حتى عودة تكوين المؤسسات بطريقة ديمقراطية سليمة أي حتى إنتخاب رئيس للجمهورية اللبنانية وتشكيل حكومة جديدة كاملة الأوصاف.

ما لم يعلنه راميريز بوضوح ولكن أوحى به هو موت الطبقة السياسية اللبنانية ومن خلالها المؤسسات اللبنانية موتا" نهائياً وأن الأمر الآن بات يرتبط بمحاولات إنتاج مؤسسات جديدة للبنان.

في تفصيل النتائج الإقتصادية التي أفضت إليها المفاوضات التي أجراها الوفد كان واضحاً مما ذكر في البيان أن الأزمة الاقتصادية غير المعالجة تلقي بثقلها على سكان لبنان. فقد وصلت البطالة والفقر إلى مستويات مرتفعة بشكل استثنائي، وقد تعطل تقديم الخدمات العامة الحيوية بشدة .في الوقت نفسه، لا يزال لبنان يعاني من استضافة أكبر عدد من اللاجئين بالنسبة لعدد السكان في العالم، وسط موارد محدودة.

وقد حذر بيان الوفد من أن التداعيات السلبية الناجمة عن الصراع في غزة وتزايد القتال على الحدود الجنوبية للبنان تؤدي إلى تفاقم الوضع الاقتصادي الضعيف أساساً. كما تسببت بأضرار في البنية التحتية والزراعة والتجارة في جنوب لبنان. إلى جانب تراجع السياحة، وبالتالي سيكون هناك مخاطر عالية مرتبطة بالصراع قد تخلق قدر كبير من عدم اليقين للآفاق الاقتصادية.

هدف الزيارة بحسب بيان الوفد كان للإطلاع على مسار النقاط الإصلاحية التي أنجزتها الدولة لا سيما المصرفية منها.

وقد نوقش الموضوع الأهم وهو أهلية بعض الودائع الموجودة في المصارف من الناحية القانونية وضرورة التدقيق في مصادرها وشرعيتها ومشروعيتها قبل الكلام عن إعادتها، خاصة الودائع الكبرى.هذا الموضوع لأهميته تم أيضاً مناقشته خلال إجتماع عقد مع رؤساء أربع مجالس إدارية لمصارف كبيرة وقد سرب عن اللقاء أن المصارف المعنية لا مانع لديها من إعطاء ضمانات بإعادة الودائع حتى مبلغ مئة ألف دولار مما أثار حفيظة باقي المصارف التي كانت غير موجودة في اللقاء والتي إعتبر أنها لا توافق على ما تمت مناقشته أو تسريبه عن اللقاء.

هنا لا بدّ من التذكير أن الصندوق لا يعدّ الخطط التي يجب اعتمادها لحلّ الأزمة، فهذا الأمر واجب السلطة والحكومة اللبنانية، إلا أن وفد الصندوق أبدى رأيه بما يمكن أن يكون مقبولاً ام لا، مع العلم أن وفد الصندوق تركز اهتمامه لمعرفة مصير الخطط ومضمونها مع التشديد على ما يجب أن تعالج من مواضيع مؤكدة وهي:

- إعادة هيكلة القطاع المصرفي والمالي.

- توزيع المسؤوليات لسدّ الفجوة البالغة نحو 70 مليار دولار

- وضع آلية لاعادة تمويل تغطية الودائع المشروعة.

إن التقدم المحرز في الإصلاحات الأساسية الأخرى، بما في ذلك الحوكمة والشفافية والمساءلة، لا يزال محدودا جدا" إن لم يكن معدوماً. علماً أن مصرف لبنان بصدد البدء في اتخاذ خطوات لتعزيز الرقابة الداخلية والحوكمة . في نفس الوقت، هناك حاجة ماسة أيضاً إلى إتخاذ تدابير لزيادة الشفافية في القطاع العام، بما في ذلك البيانات المالية المدققة للمؤسسات العامة، فضلاً عن إصلاحات المؤسسات العامة على نطاق أوسع. علاوةً على ذلك، فإن نقاط الضعف في جودة البيانات الاقتصادية وتوافرها وتوقيتها تشكل تحديات أمام صنع السياسات المستنيرة.

في نهاية البيان لم يفت راميريز من التذكير بأن الصندوق "لا يزال الصندوق ملتزما بدعم لبنان"، مع توقع إجراء مناقشات المادة الرابعة في سبتمبر 2024 لتقييم التطورات الاقتصادية الحاسمة والإصلاحات المالية، في حال إستطاع اللبنانيون إخراج بلدهم من معمعة النهاية المحتومة ألا وهي موت لبنان سياسياً وإقتصادياً وإجتماعياً وبقاءه كهيكل جغرافي متداعي بإنتظار ترياق دولي أو خارجي من مكان ما.

لم ينس راميريز شكر الساسة اللبنانيين والسلطات اللبنانية ولكن الأكيد على المناقشات البناءة وكرم ضيافتهم ليس إلا.

 

يبدو أن جولة ومداولات وفد صندوق النقد الدولي كانت تهدف في الحقيقة الى كشف عجز السلطة والطبقة السياسية اللبنانية عن إجراء الإصلاحات الهيكلية على كافة الصعد وبالتالي الإعلان صراحةً للبنانيين أن سبب الأزمات ومرض لبنان هو هذه السلطة الفاشلة التي ما برحت تتمسك بالمواقع والكراسي حتى لو وصل بها الأـمر الى إعلات موت لبنان والوقوف في صف تقبل التعازي.