مستقبل الصندوق السيادي في ظل الفوضى الشاملة

img
  • بقلم ON

 

بقلم الخبير المالي والاقتصادي

  الدكتور بلال علامة

بصورة عامة وفي معظم دول العالم ، تعتبر صناديق الثروة السيادية في معظمها مؤسسات مستقلة. ومن هذه الناحية، تكتسي بنية الحوكمة الرشيدة أهمية عليا في تأمين الإشراف الشفاف والملائم . فمن الضروري جدًّا أن أن يكون في مشروع إنشاء الصندوق السيادي إلتزاماً كاملاً بمبادئ سانتياغو التي تشتمل على ٢٤ مبدأ وممارسة عامة. وتدعو مبادئ سانتياغو هذه إلى الشفافية، والحوكمة الرشيدة، والمساءلة والممارسات الاستثمارية الحصينة وتشجع على حوار أكثر انفتاحًا وتفهمًا أعمق لأنشطة صندوق الثروة السيادية.

فكرة إنشاء هذا الصندوق السيادي ليست بجديدة، حيث باتت جميع الدول التي وجدت الغاز والبترول وأصبحت دولة نفطية تستخدمها، ذلك أن الصندوق مهم جدًا بعد استخراج لبنان لحقوقه النفطية.

لذلك تحركت مشاريع القوانين عبر المجلس لنيابي الذي يسعى فقط لتحضير الأرضية القانونية الخاصة بالغاز والنفط، لاستخدامها بعد أن يكون للبلاد موارد نفطية، من أجل أن يصبح للبنان قانون موجود يحفظ هذا الأموال، ويمنع صرفها وتبذيرها من قبل الحكومة أو السلطات السياسية في لبنان.

ولكن ...

من سيدير نفط لبنان؟ وكيف؟ وبأيّ ممارسات؟ أسئلة أعيد تسليط الضوء عليها مع إقرار فرعية لجنة المال والموازنة مبدأ الصندوق السياديّ للثروات الطبيعيّة من نفط وغاز، وتحديداً الفصول المتعلّقة بمشروع القانون وترك لمرحلة لاحقة النقاش حول الحوكمة والمرجعية الدستورية . وجرى الاتفاق على أن يكون مجلس الإدارة الذي سيدير هذا الصندوق "شفافاً وحيادياً ومستقلاً بأكبر قدر ممكن عن أيّ ارتباط مباشر بالسلطة السياسية". وتثير عبارات الشفافية والحياد إشكاليات متصلة بالنظام السياسي اللبناني وسياقات المحاصصة.

يتبين من مراجعة مشاريع القوانين المقترحة ، أن بنية حوكمة الصندوق غير واضحة وربما كانت متناقضة في بعض المواضع. فمجلس إدارة الصندوق يتكوّن من خبراء يعيّنهم مجلس الوزراء، فيما يخضع الصندوق لإشراف وزير المال. غير أن وزير المال يكون، في معظم الصناديق السيادية، عضوًا في مجلس إدارة الصندوق أو هو يعيّن بعض أعضاء مجلس الإدارة. يضاف إلى ذلك أن مجلس الإدارة لا يضم أعضاء مستقلين، مثلما هي الحال أحيانًا، كما أن أدوار أعضاء هذا المجلس ومؤهلاتهم غير واضحة، وهذا يترك الباب مفتوحاً على تعيين أشخاص غير مؤهلين، علاوة على أن عتبة الخمسة والثلاثين سنة لخبرة عضو مجلس الإدارة تحول دون انضمام العديد من المرشحين ذوي الكفاءة إلى هذا المجلس.

 

 

إن لبنان يعيش اليوم حالة من الفوضى، وبالتالي فهو غير قادر على إقرار قوانين ضرورية لوقف التدهور المالي والاقتصادي، لا من خلال المجلس النيابي ولا من خلال مجلس الوزراء ، فكل السلطات في لبنان معطلة إما بقرار داخلي أو بقرار خارجي، وهي غير قادرة على أخذ أي مبادرة.

إن قرار إنشاء صندوق سيادي للنفط والغاز يحتاج إلى سنوات من المتابعة ، ولا يمكن إقراره قبل عام، في حال سارت الأمور بشكل معقول على المستوى السياس..

أما من الناحية الاقتصادية، فتقديرنا أن هذا الصندوق في ظل النظام السياسي القائم والمتبع سيكون شأنه كشأن أي صندوق تم إنشاءه في الماضي، وعنوانه الأساسي المحاصصة والفساد والهدر، ولذلك في حال لم يتم إجراء إصلاحات سياسية تمنع التعطيل والتحاصص، مع استقلالية القضاء بالكامل بعد هيكلة القطاع العام، فهذا المشروع المستقبلي سيكون محكومًا عليه بالفشل.

إن إنشاء صندوق سيادي ممول من عائدات النفط والغاز يجب أن يترافق مع إستراتيجية اقتصادية كلية ومالية واضحة وقانون مالي يقضي بتلبية حاجتين أساسيتين للبنان : الأولى، هي تدبُّر الآثار المحتملة التي سوف تخلّفها المداخيل الضخمة، السريعة الزوال، المتأتية من الموارد الطبيعية في اقتصاد يعاني أصلاً من تدهور مخيف مع نقص في السيولة والأموال؛ والثانية، التأكد من أن هذه المداخيل تدار بمقتضى متطلبات الشفافية والمساءلة، وبخاصة على ضوء سوء أداء السلطات اللبنانية في مجال إدارة المالية العامة.

قد يكون ما جرى إقراره مهم جداً على صعيد مبادئ إنشاء الصندوق ، ولكن تبقى العبرة في إقرار التفاصيل المتعلقة بكيفية حوكمة وإدارة الصندوق شرط أن يكون قائماً وفق المعايير الدولية والاستقلالية بإدارته ومن قبل من ؟ . أما بالنسبة للقواعد التي ستعتمد، فيجب ألّا ترتكز على إطفاء دَين وتغطية هدر وعجز، بل الذهاب الى الادّخار والحفاظ على الأصول والمساهمة في الإنماء الاقتصادي مع ضرورة إعتماد المنهج البنشماركي في تقليد أسماء لامعة في عالم التمويل الدولي، كنماذج معتمدة ل 26 صندوقاً إعتمدت أعلى معايير الشفافية والنزاهة والحوكمة الرشيدة لصناديق الثروة السيادية (GAPP) في دول عدة من دول العالم المتطورة. هذه المبادئ التي ذكرناها هي نفسها المعروفة أيضاً باسم مبادئ سانتياغو، وقد وضعت للاسترشاد بها على مستوى العالم، واضعةً بذلك معياراً مقبولاً على نطاق القطاع بأكمله من الناحية النظرية والعملية في ما يتعلّق بالإطار القانوني، والأهداف، والتنسيق مع السياسات الاقتصادية الكلية، والإطار المؤسسي والهيكل الإداري، وإطار إدارة الاستثمار والمخاطر الخاص بصناديق الثروة السيادية.

فهل يخطو لبنان بإتجاه الحداثة والعصرنة من خلال إعتماد مبادئ سانتياغو للصندوق السيادي ؟