شبح الدين الأميركي الوشيك: ما الذي قد يعنيه تخفيض التصنيف الائتماني؟

شبح الدين الأميركي الوشيك: ما الذي  قد يعنيه تخفيض التصنيف الائتماني؟

تُعدّ الصحة المالية للولايات المتحدة موضع قلق متزايد، محليًا ودوليًا. ففي ظلّ معاناة البلاد من دين وطني متزايد، يلوح في الأفق احتمال تخفيض التصنيف الائتماني، ومعه سلسلة من التداعيات المالية التي قد تؤثر على كل شيء، من الإنفاق الحكومي إلى محفظة الاستثمار.

تُصنّف موديز، إلى جانب فيتش للتصنيف الائتماني وستاندرد آند بورز، الشركات والحكومات والدول بناءً على جدارتها الائتمانية، أي مدى احتمالية سدادها لديونها في الموعد المحدد.  في 16 ايار مايو 2025، خفّضت موديز تصنيف الولايات المتحدة من AAA (أعلى تصنيف على الإطلاق) إلى AA1.  وفي تشرين الثاني نوفمبر 2023، غيّرت موديز نظرتها المستقبلية لتصنيف AAA الأميركي من "مستقر" إلى "سلبي"، مُشيرةً إلى إمكانية خفض التصنيف في حال عدم معالجة التحديات المالية.  تجدر الإشارة إلى أن ستاندرد آند بورز خفّضت تصنيف الولايات المتحدة من AAA إلى AA+ في 5 أب أغسطس 2011 (وهي المرة الأولى في التاريخ التي تفقد فيها الولايات المتحدة تصنيفها الائتماني الأعلى من وكالة ائتمانية كبرى)، وخفّضت فيتش تصنيف الولايات المتحدة من AAA إلى AA+ في 1 أب اغسطس 2023 ماذا يعني هذا ؟ .

تكمن جوهر المسألة في تكلفة الاقتراض. سيؤدي خفض التصنيف الائتماني الأميركي، على الأرجح، إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض على الحكومة. سيطالب المستثمرون، إدراكًا منهم لتزايد المخاطر، بعوائد أعلى على سندات الخزانة الأميركية. هذا ليس مجرد مفهوم مالي نظري؛ بل يُترجم مباشرةً إلى ارتفاع مدفوعات الفائدة على الحكومة، مما يُحوّل أموال دافعي الضرائب بعيدًا عن مجالات حيوية أخرى.

لن تتوقف التداعيات عند هذا الحد. فانخفاض التصنيف الائتماني الأميركي قد يُضعف ثقة المستثمرين في سوق الأسهم الأميركية بشكل كبير. غالبًا ما يؤدي عدم اليقين إلى توخي الحذر، وقد نشهد تراجع المستثمرين عن الأسهم بحثًا عن ملاذات آمنة.

علاوة على ذلك، سيمتد التأثير إلى ما هو أبعد من الولايات المتحدة. تُعدّ سندات الخزانة الأمريكية معيارًا أساسيًا لأسعار الفائدة العالمية. ومن المرجح أن يؤدي ارتفاع عوائدها، نتيجة خفض التصنيف، إلى ارتفاع تكاليف الاقتراض، ليس فقط في الولايات المتحدة، بل في جميع أنحاء العالم. هذا يعني أن الشركات والحكومات في جميع أنحاء العالم قد تواجه نفقات أعلى عند البحث عن التمويل.

السبب الكامن وراء هذه المخاوف هو الدين الوطني الضخم والمتزايد. يرسم مكتب الميزانية بالكونجرس صورة قاتمة، حيث يتوقع أن تصل نسبة الدين الأميركي إلى الناتج المحلي الإجمالي إلى نسبة مذهلة تبلغ 107% في السنة المالية 2029، متجاوزةً حتى أعلى مستوياتها التي سُجلت بعد الحرب العالمية الثانية. ويستمر هذا المسار في الصعود، ومن المتوقع أن يصل إلى 156% بحلول عام 2055. ويضع هذا العبء المتصاعد من الديون ضغطًا هائلاً على مالية الدولة، ويلقي بظلاله الثقيلة على الاستقرار الاقتصادي طويل الأجل.

تشعر الولايات المتحدة بالفعل بضائقة مالية. فاعتبارًا من عام 2024، استهلكت مدفوعات الفائدة على ديون الحكومة الأميركية نسبة كبيرة بلغت 4.7% من الناتج المحلي الإجمالي. ويُوجه هذا الجزء الكبير من الناتج الاقتصادي نحو خدمة الدين، مما يحد فعليًا من قدرة الحكومة على الاستثمار في مجالات حيوية مثل البنية التحتية والبرامج الاجتماعية أو المبادرات المصممة لتحفيز النمو الاقتصادي.

تحذيرات مكتب الميزانية في الكونجرس واضحة: "سيؤدي تزايد الديون إلى إبطاء النمو الاقتصادي، وزيادة مدفوعات الفائدة لحاملي الديون الأميركية الأجانب، ويشكل مخاطر كبيرة على التوقعات المالية والاقتصادية؛ كما قد يُشعر المشرعين بتقييد خياراتهم السياسية". هذا يعني أن اقتصادنا قد لا يواجه رياحًا معاكسة فحسب، بل قد تجد الإدارات المستقبلية نفسها مقيدة، عاجزة عن الاستجابة بفعالية للتحديات الاقتصادية غير المتوقعة أو الاستثمار في استراتيجيات نمو طويلة الأجل.

إذن، ما الذي ينبغي فعله لخفض الإنفاق؟ إنه لغز معقد، وليس هناك إجابة واحدة سهلة. من المرجح أن تحتاج الولايات المتحدة إلى مزيج من الأساليب المختلفة، وجميعها تنطوي على خيارات صعبة. أهمها "إنفاق أموال أقل" و"كسب المزيد من المال". أهم بنود الإنفاق هي: 1) الضمان الاجتماعي والرعاية الصحية (شيخوخة السكان)، 2) الإنفاق الدفاعي (إنفاق لا ينضب)، 3) الإنفاق الحكومي (برامج ضخمة غير ضرورية). عادةً ما يتم جلب دخل إضافي للحكومة من خلال الضرائب في سوق مثل الولايات المتحدة. مع ذلك، غالبًا ما يُنظر إلى زيادة الضرائب المباشرة على الشركات والأفراد على أنها موضوع غير مرغوب فيه. على سبيل المثال، فضّلت إدارة ترامب السعي إلى زيادة الدخل من خلال الرسوم الجمركية (الضرائب على السلع المستوردة)، وكانت معروفة باقتراحها خفض الضرائب على بعض الدخول بدلًا من زيادتها.

في نهاية المطاف، لا يقتصر التعامل مع ديون أميركا على إيجاد حيلة خفية، بل يتعلق باتخاذ خيارات صعبة، سواءً فيما يتعلق بمدى إنفاق الحكومة أو تحصيلها. هذه ليست قضيةً تخص الحزب الجمهوري أو الديمقراطي، بل هي قضية أميركية، ويجب التعامل معها بطريقة غير حزبية. كلما بدأوا مبكرًا، كانت التعديلات أسهل. الانتظار يعني ببساطة اتخاذ قرارات أصعب في المستقبل، وعلى الأرجح عبئًا على أحد الحزبين دون الآخر. سيتطلب الأمر من قادة الولايات المتحدة العمل معًا من أجل صحة البلاد على المدى الطويل، بدلًا من التركيز فقط على الانتخابات القادمة. إنها مجرد أمنيات في بلد منقسم، ولكن لا شيء مستحيل .